أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ لَا أُفْطِرُ. وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ لَا أَنَامُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ. فَقَالَ: لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: ١٧٢] فَأَمَرَ بِأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ، وَالشُّكْرِ لِلَّهِ، فَمَنْ حَرَّمَ الطَّيِّبَاتِ كَانَ مُعْتَدِيًا، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ كَانَ مُفَرِّطًا مُضَيِّعًا لِحَقِّ اللَّهِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، وَيَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا» . وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ» .
فَهَذِهِ الطَّرِيقُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ أَعْدَلُ الطُّرُقِ وَأَقْوَمُهَا. وَالِانْحِرَافُ عَنْهَا إلَى وَجْهَيْنِ: قَوْمٌ يُسْرِفُونَ فِي تَنَاوُلِ الشَّهَوَاتِ، مَعَ إعْرَاضِهِمْ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَاجِبَاتِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١] وَقَالَ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: ٥٩] .
وَقَوْمٌ يُحَرِّمُونَ الطَّيِّبَاتِ، وَيَبْتَدِعُونَ رَهْبَانِيَّةً، لَمْ يُشَرِّعْهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: ٨٧] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: ٥١]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute