للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاللَّيْثِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَوْ تَأَمَّلَ أَبُو الْمَعَالِي وَذَوِيهِ الْكِتَابَ الَّذِي أَنْكَرُوهُ لَوَجَدُوا فِيهِ مَا يَخْصِمُهُمْ، وَلَكِنْ أَبُو الْمَعَالِي مَعَ فَرْطِ ذَكَائِهِ وَحِرْصِهِ عَلَى الْعِلْمِ وَعُلُوِّ قَدْرِهِ فِي فَنِّهِ كَانَ قَلِيلَ الْمَعْرِفَةِ بِالْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يُطَالِعْ عِلَّاتِهَا بِحَالٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا فِيهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِالصَّحِيحَيْنِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَمْثَال هَذِهِ السُّنَنِ عِلْمٌ أَصْلًا فَكَيْفَ بِالْمُوَطَّإِ وَنَحْوه وَكَانَ مَعَ حِرْصه عَلَى الِاحْتِجَاج فِي مَسَائِل الْخِلَاف فِي الْفِقْهِ إنَّمَا عُمْدَتُهُ سُنَنُ أَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبُو الْحَسَنِ مَعَ إتْمَامِ إمَامَتِهِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ إنَّمَا صَنَّفَ هَذِهِ السُّنَنَ كَيْ يَذْكُرَ فِيهَا الْأَحَادِيثَ الْمُسْتَغْرَبَةَ فِي الْفِقْهِ وَيَجْمَعَ طُرُقَهَا، فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى مِثْلِهِ، فَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَكَانَ يَسْتَغْنِي عَنْهَا فِي ذَلِكَ فَلِهَذَا كَانَ مُجَرَّدُ الِاكْتِفَاءِ بِكِتَابِهِ فِي هَذَا الْبَابِ يُورِثُ جَهْلًا عَظِيمًا بِأُصُولِ الْإِسْلَامِ، وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِأَنَّ كِتَابَ أَبِي الْمَعَالِي، الَّذِي هُوَ نُخْبَةُ عُمْرِهِ نِهَايَةُ الْمَطْلَبِ فِي دِرَايَةِ الْمَذْهَبِ " لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ مَعْزُوٌّ إلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي الْبَسْمَلَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ.

وَلِقِلَّةِ عِلْمِهِ وَعِلْمِ أَمْثَالِهِ بِأُصُولِ الْإِسْلَامِ اتَّفَقَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَإِذَا لَمْ يُسَوِّغْ أَصْحَابُهُ أَنْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِهِمْ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ فُرُوعِ الْفِقْهِ كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا؟ وَإِذَا اتَّفَقَ أَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ إمَامًا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ فَكَيْفَ يُتَّخَذُ إمَامًا فِي أُصُولِ الدِّينِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ إنَّمَا نِيلَ قَدْرُهُ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ بِتَبَحُّرِهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ مُؤَسَّسٌ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهَذَا الَّذِي ارْتَفَعَ بِهِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ غَايَتُهُ فِيهِ أَنَّهُ يُوجَدُ مِنْهُ نَقْلٌ جَمَعَهُ أَوْ بَحْثٌ تَفَطَّنَ لَهُ فَلَا يُجْعَلُ إمَامًا فِيهِ كَالْأَئِمَّةِ الَّذِينَ لَهُمْ وُجُوهٌ، فَكَيْفَ بِالْكَلَامِ الَّذِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ ذَنْبٌ أَعْظَمُ مِنْهُ؟ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا جَعَلَهُ أَصْلَ دِينِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَالشَّامِلِ وَغَيْرِهِمَا هُوَ بِعَيْنِهِ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي نَصَّتْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ، وَلِهَذَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ طَاهِرٍ أَنَّهُ قَالَ وَقْتَ الْمَوْتِ: لَقَدْ خُضْتُ الْبَحْرَ الْخِضَمَّ وَخَلَّيْت أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَعُلُومَهُمْ وَدَخَلْت فِي الَّذِي نَهَوْنِي عَنْهُ، وَالْآنَ إنْ لَمْ يُدْرِكْنِي رَبِّي بِرَحْمَتِهِ فَالْوَيْلُ لِابْنِ الْجُوَيْنِيِّ، وَهَا أَنَا أَمُوتُ عَلَى عَقِيدَةِ أُمِّي أَوْ عَقَائِدِ عَجَائِزِ نَيْسَابُورَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>