للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهِ الْجُمْلَةِ إثْبَاتًا يُشْرِكُهُمْ فِيهِ آحَادُ الْعَوَامّ وَلَا يَعْلَمُونَ مِنْ تَفْصِيلِ ذَلِكَ مَا يُجَابُ بِهِ أَدْنَى السَّائِلِينَ وَلَيْسَ فِي كُتُبِهِمْ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَلِهَذَا تَجِدُهُمْ بِذَلِكَ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ عِلْمًا بِهَا أَوْ تَجِدُهُمْ مُرْتَابِينَ فِيهَا أَوْ مُكَذِّبِينَ فَأَيُّ تَعْظِيمٍ بِمِثْلِ هَذَا، وَأَيُّ مَزِيَّةٍ بِهَذَا عَلَى أَوْسَاطِ الْعَوَامّ أَوْ أَدْنَاهُمْ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ عَوَامِّ الْمُؤْمِنِينَ يُؤْمِنُ بِتَفَاصِيلِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَيَعْلَمُ مِنْهَا مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الشَّارِعُ مَا لَيْسَ مَذْكُورًا فِي أُصُولِ هَؤُلَاءِ، وَإِنَّمَا الْفَضِيلَةُ عَلَى عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ أَوْ الطَّائِفَةُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِي لَا يُوجَدُ عِنْدَ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ ذَلِكَ.

الْخَامِسُ: الْحُجَّةُ أَنَّهُمْ نَفَوْا التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ الْعَقْلِيَّ وَجَعَلُوا أَحْكَامَ الْأَفْعَالِ لَا تُتَلَقَّى إلَّا مِنْ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ بَيَّنَ بِذَلِكَ تَعْظِيمَهُمْ لِلشَّرْعِ وَاتِّبَاعَهُمْ لَهُ.

وَأَنَّهُمْ لَا يَعْدِلُونَ عَنْهُ لِيَثْبُتَ بِذَلِكَ تَسَنُّنُهُمْ، وَهَذَا الْأَصْلُ هُوَ مِنْ الْأُصُولِ الْمُبْتَدَعَةِ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنَّ الْعَقْلَ لَا يُحَسِّنُ وَلَا يُقَبِّحُ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ حُسْنُ فِعْلٍ وَلَا قُبْحُهُ، بَلْ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ حَادِثٌ فِي حُدُوثِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأُمَّةِ، وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْكَلَامِ مِنْهَا فَمَا مِنْ طَائِفَةٍ إلَّا وَهِيَ مُتَنَازِعَةٌ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّ أَكْثَرَ الْأُمَّةِ تُخَالِفُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ كَتَبْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَصْلَ النِّزَاعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَبَيَّنَّا مَا مَعَ هَؤُلَاءِ فِيهَا مِنْ الْحَقِّ وَمَا مَعَ هَؤُلَاءِ فِيهَا مِنْ الْحَقِّ، ثُمَّ يُقَالُ: وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حَقًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلَيْسَ لَك وَلَا لِأَصْحَابِك فِيهَا حُجَّةٌ نَافِيَةٌ، بَلْ عُمْدَتُك وَعُمْدَةُ الْقَاضِي وَنَحْوِكُمَا عَلَى مُطَالَبَةِ الْخَصْمِ بِالْحُجَّةِ وَالْقَدْحُ فِيمَا بِيَدَيْهِ، وَالْقَدْحُ فِي دَلِيلِ الْمُنَازِعِ إنْ صَحَّ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِانْتِفَاءِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَقُمْ عَلَى النَّفْيِ دَلِيلٌ وَعُمْدَةُ إمَام الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ الْخَطِيبِ الِاسْتِدْلَال عَلَى ذَلِكَ بِالْجَبْرِ وَهُوَ مِنْ أَفْسَدِ الْحُجَجِ، فَإِنَّ الْجَبْرَ سَوَاءٌ كَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا كَمَا لَا يُبْطِلَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَا يَنْفِي ثُبُوتَ أَحْكَامٍ مَعْلُومَةٍ بِالْعَقْلِ كَمَا لَا يَنْفِي الْأَحْكَامَ الَّتِي يُثْبِتُهَا الشَّارِعُ.

وَعُمْدَةُ الْآمِدِيِّ بَعْدَهُ أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَا يَقُومُ بِالْعَرَضِ، وَهَذَا مِنْ الْمَغَالِيطِ الَّتِي لَا يَسْتَدِلُّ بِهَا إلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُغَالِطٌ، فَإِنَّهُ يُقَالُ فِي ذَلِكَ مَا يُقَالُ فِي سَائِرِ صِفَاتِ الْأَعْرَاضِ وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا قَائِمًا بِمَحَلِّ الْعَرْضِ وَنَفْيِ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ بِالْعَقْلِ مِمَّا عَدَّهُ مِنْ بِدَعِ الْأَشْعَرِيِّ الَّتِي أَحْدَثَهَا فِي الْإِسْلَامِ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالسُّنَّةِ كَأَبِي نَصْرٍ السِّجْزِيِّ وَأَبِي الْقَاسِمِ سَعْدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيِّ، دَعْ مَنْ سِوَاهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>