للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ حَمَّادِ بْنِ زُغْبَةَ. حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا نُوحُ ابْنُ مَرْيَمَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: جَاءَ نَجْدَةُ الْحَرُورِيُّ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ يَا أَبَا عَبَّاسٍ، نَبِّئْنَا كَيْفَ مَعْرِفَتُك بِرَبِّك تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَإِنَّ مَنْ قَبْلَنَا اخْتَلَفُوا عَلَيْنَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ نَصَبَ دِينَهُ عَلَى الْقِيَاسِ لَمْ يَزَلْ الدَّهْرَ فِي الْتِبَاسٍ، مَائِلًا عَنْ الْمِنْهَاجِ، ظَاعِنًا فِي الِاعْوِجَاجِ، ضَالًّا عَنْ السَّبِيلِ، قَائِلًا غَيْرَ جَمِيلٍ، أَعْرِفُهُ بِمَا عَرَّفَ بِهِ نَفْسَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ.

قَالَ نُعَيْمٌ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا وَأَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، لَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ، وَلَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ، مَعْرُوفٌ بِغَيْرِ شَبِيهٍ، وَمُتَدَانٍ فِي بُعْدِهِ.

قَالَ نُعَيْمٌ: يَقُولُ هُوَ عَلَى الْعَرْشِ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ. لَا تُتَوَهَّمُ دَيْمُومَتُهُ وَلَا يُمَثَّلُ بِخَلِيقَتِهِ. وَلَا يَجُورُ فِي قَضِيَّةٍ. الْخَلْقُ إلَى مَا عَلِمَ مُنْقَادُونَ. وَعَلَى مَا سَطَّرَ فِي الْمَكْنُونِ مِنْ كِتَابِهِ مَاضُونَ. لَا يَعْلَمُونَ بِخِلَافِ مَا مِنْهُمْ عِلْمٌ وَلَا غَيْرُهُ. يُرِيدُونَ فَهُوَ قَرِيبٌ غَيْرُ مُلْتَزِقٍ يَعْنِي قَرِيبًا بِعِلْمِهِ وَبَعِيدًا غَيْرَ مُنْقَضٍ يُحَقِّقُ وَلَا يُمَثَّلُ وَيُوجَدُ وَلَا يُبَعَّضُ. قَالَ نُعَيْمٌ لَا يُقَالُ بَعْضُهُ عَلَى الْعَرْضِ وَبَعْضُهُ عَلَى الْأَرْضِ يُدْرَكُ بِالْآيَاتِ. وَيَثْبُتُ بِالْعَلَامَاتِ. هُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. قُلْت:

هَذَا الْكَلَامُ فِي صِحَّتِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَنُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ لَهُ مَفَارِيدُ مِنْ هَذَا النَّمَطِ. وَلَكِنْ لَا رَيْبَ أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ حَمَّادٍ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِ الَّتِي صَنَّفَهَا فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ.

وَهُوَ قَدْ نَفَى تَبْعِيضَهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرَهُ. وَهَذَا مَا لَا يَسْتَرِيبُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ. وَهَذَا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: ٢] كَمَا قَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ هَذِهِ السُّورَةَ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهَا وَلَا رَيْبَ أَنَّ لَفْظَ الْبَعْضِ وَالْجُزْءِ وَالْغَيْرِ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ فِيهَا إيهَامٌ وَإِبْهَامٌ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ ذَلِكَ عَلَى مَا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ بِحَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يُفَارِقَ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَيَنْفَصِلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ أَوْ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ.

كَمَا يُقَالُ: حَدُّ الْغِيَرَيْنِ مَا جَازَ مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ كَصِفَاتِ الْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ أَجْزَائِهَا وَأَعْرَاضِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَتَفَرَّقَ وَتَنْفَصِلَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مُقَدَّسٌ عَنْ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ، وَقَدْ يُرَادُ بِذَلِكَ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>