فَإِنَّهُ يُخَادِعُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَعَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ، وَهُوَ نَظِيرُ الرَّجُلِ يُقَدِّمُ إلَى الْعَطْشَاءِ الْمَاءَ فَإِذَا شَرِبَ مِنْهُ قَطْرَةً انْتَزَعَهُ مِنْ فِيهِ، وَلَوْ أَنَّ السَّيِّدَ أَنْكَحَ عَبْدَهُ نِكَاحًا يَقْصِدُ بِهِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ يَوْمٍ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيلٍ لَكَانَ خَادِعًا لَهُ مَاكِرًا بِهِ مَلْعُونًا، فَكَيْفَ إذَا قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ التَّحْلِيلَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْلِيلَ هُنَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِأَنْ يَتَوَاطَأَ السَّيِّدُ الْمُطَلِّقُ أَوْ غَيْرُهُ مَعَ الْمَرْأَةِ عَلَى أَنْ يَمْلِكَهَا الزَّوْجَ، أَوْ يَعْلَمُ أَنَّ حَالَ الْمَرْأَةِ تَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا عَرَضَ عَلَيْهَا مِلْكَ الزَّوْجِ لِيَنْفَسِخَ النِّكَاحُ مَلَكَتْهُ، فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُرْفَ فِي الشُّرُوطِ كَاللَّفْظِ، فَأَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ رَغْبَةٌ فِي الْعَوْدِ إلَى الْمُطَلِّقِ، وَلَا هِيَ مِمَّنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِلْكُهَا لِلْعَبْدِ إذَا عَرَضَ عَلَيْهَا فَهُنَا نِيَّةُ السَّيِّدِ وَحْدَهُ نِيَّةُ مَنْ لَا فُرْقَةَ بِيَدِهِ.
ثُمَّ الْعَبْدُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ، يَكُونُ كَالْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ التَّحْلِيلَ لَا إثْمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَلِمَ وَوَافَقَ فَهُوَ آثِمٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، وَالسَّيِّدُ إنَّمَا أَذِنَ فِي نِكَاحِ تَحْلِيلٍ لَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَيَكُونُ النِّكَاحُ الَّذِي أَجَازَهُ الشَّرْعُ وَقَصَدَهُ الْعَبْدُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ السَّيِّدُ، وَاَلَّذِي أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ لَمْ يُجِزْهُ الشَّرْعُ ثُمَّ إنْ أُخْبِرَ الْعَبْدُ فِيمَا بَعْدُ بِمَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْمُقَامُ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ لَكِنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ السَّيِّدِ وَحْدَهُ فِي إبْطَالِ نِكَاحِهِ، وَسَائِرِ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي نِيَّةِ الزَّوْجِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ تَجِيءُ فِي نِيَّةِ الزَّوْجَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فَأَمَّا إنْ نَوَى التَّحْلِيلَ مَنْ لَا فُرْقَةَ بِيَدِهِ مِثْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْفُرْقَةَ الزَّوْجُ الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا أَوْ تَنْوِيَهَا الْمَرْأَةُ فَقَطْ أَعَنَى إذَا نَوَتْ أَنَّ الزَّوْجَ يُطَلِّقُهَا، فَقَدْ قَالَ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ التَّحْلِيلِ إذَا هَمَّ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ بِالتَّحْلِيلِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ وَالتَّابِعُونَ يُشَدِّدُونَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ أَحْمَدُ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ» . يَقُولُ أَحْمَدُ إنَّهَا كَانَتْ هَمَّتْ بِالتَّحْلِيلِ وَنِيَّةُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ، وَلَيْسَ نِيَّةُ الْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ فَقَدْ نَصَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute