للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَانَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ الْعِلْمِ بِهَذِهِ السُّنَّةِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي حَدِيثِهِ ذَكَرَ أَرْبَعَ مَوَاقِيتَ، وَذَكَرَ أَحْكَامَ النَّاسِ كُلِّهِمْ إذَا مَرُّوا عَلَيْهَا أَوْ أَحْرَمُوا مِنْ دُونِهَا.

وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبَلِّغُ الدِّينَ بِحَسَبِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَدْ أَسْلَمُوا، وَأَسْلَمَ أَهْلُ نَجْدٍ، وَأَسْلَمَ مَنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ وَقَّتَ الثَّلَاثَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ إنَّمَا أَسْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ يَرَ أَكْثَرُهُمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ كَانُوا مُخَضْرَمِينَ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَقَّتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ قُلُوبًا وَأَلْيَنُ أَفْئِدَةً، الْإِيمَانُ يَمَانِيٌّ، وَالْفِقْهُ يَمَانِيٌّ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ» . ثُمَّ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ «أَنَّهُ لَمَّا فُتِحَتْ أَطْرَافُ الْعِرَاقِ وَقَّتَ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ» ، كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ هَذَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِيهِ: أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَطَعَ بِهِ غَيْرُهُ، وَرَوَى ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، فَكَانَ مَا سَمِعَهُ هَؤُلَاءِ أَكْثَرَ مِمَّا سَمِعَهُ غَيْرُهُمْ. وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ فِي تَرْخِيصِهِ فِي الْخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ يَقُولُ: السَّرَاوِيلَاتُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ، وَالْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنْ جَابِرٍ «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ» .

فَهَذَا كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ فِيهِ فِي عَرَفَاتٍ - وَهُوَ أَعْظَمُ مَجْمَعٍ كَانَ لَهُ - أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ. وَلَمْ يَأْمُرْ بِقَطْعٍ وَلَا فَتْقٍ، وَأَكْثَرُ الْحَاضِرِينَ بِعَرَفَاتٍ لَمْ يَشْهَدُوا خُطْبَتَهُ، وَمَا سَمِعُوا أَمْرَهُ بِقَطْعِ الْخُفَّيْنِ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>