للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَرَامَ كَعَصِيرٍ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ كَمَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، أَوْ ظَنَّ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا لَوْ ظَنَّ الْآجِرُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَسْتَأْجِرُ الدَّارَ لِمَعْصِيَةٍ كَبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ تِلْكَ الدَّارَ، وَلَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ، وَالْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ سَوَاءٌ.

وَإِذَا جَمَعَ الْبَائِعُ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ بِعِوَضَيْنِ مُتَمَيِّزَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ أَحَدَهُمَا بِعِوَضِهِ، وَيَحْرُمُ الشِّرَاءُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِالسِّلْعَةِ وَأَخَذَ السِّلْعَةَ أَوْ عِوَضَهَا.

وَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَى مِلْكِ إنْسَانٍ بِلَا حَقٍّ وَمَنَعَهُ إيَّاهُ حَتَّى يَبِيعَهُ إيَّاهُ فَهُوَ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَمَنَّى الْغَلَاءَ. قَالَ أَحْمَدُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَنَّى الْغَلَاء، وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: اشْتَرِنِي مِنْ زَيْدٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ فَاشْتَرَاهُ فَبَانَ حُرًّا، فَإِنَّهُ يُؤَاخِذُ الْبَائِعَ وَالْمُقِرَّ بِالثَّمَنِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ غَابَ آخَذَ الْآخَرَ بِالثَّمَنِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ عَنْ أَحْمَدَ.

وَبَيْعُ الْأَمَانَةِ بَاطِلٌ وَيَجِبُ الْمُعَاوَضَةُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لِأَنَّهَا مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَرْبَحُ عَلَى الْمُسْتَرْسِلِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَا الْمُضْطَرِّ الَّذِي لَا يَجِدُ حَاجَتَهُ إلَّا عِنْدَ شَخْصٍ يَنْبَغِي أَنْ يَرْبَحَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا يَرْبَحُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِالْقِيمَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ قِيلَ لِأَحْمَدَ إنْ رَبِحَ الرَّجُلُ فِي الْعَشَرَةِ خَمْسَةً يُكْرَهُ ذَلِكَ، قَالَ إذَا كَانَ أَجَلُهُ إلَى سَنَةٍ أَوْ أَقَلَّ بِقَدْرِ الرِّبْحِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ بَيْعُ النَّسِيئَةِ إذَا كَانَ مُقَارِبًا فَلَا بَأْسَ، وَهَذَا يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الرِّبْحِ الْكَثِيرِ الَّذِي يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ شِبْهُ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ، وَهَذَا يَعُمُّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ وَالْمُسَاوَمَةِ.

وَمَنْ ضَمِنَ مَكَانًا لِلْبَيْعِ وَيَشْتَرِي فِيهِ وَحْدَهُ كُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ بِلَا حَقٍّ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ زِيَادَةٍ بِلَا حَقٍّ. اتَّفَقَ أَهْلُ السُّوقِ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَايَدُوا فِي السِّلْعَةِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَيْهَا لِيَبِيعَهَا صَاحِبُهَا بِدُونِ قِيمَتِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ غِشِّ النَّاسِ مَا لَا يَخْفَى، وَإِنْ ثَمَّ مِنْ بُدٍّ فَلَا بَأْسَ، وَمَنْ مَلَكَ مَاءً نَابِعًا كَبِئْرٍ مَحْفُورَةٍ فِي مِلْكِهِ أَوْ عَيْنِ مَاءٍ فِي أَرْضِهِ فَلَهُ بَيْعُ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ جَمِيعًا، وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا مُشَاعًا كَأُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ مِنْ قَنَاةٍ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْقَنَاةِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ فَكَيْفَ إذَا كَانَ أَصْلُهَا فِي أَرْضِهِ.

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ يَنْبُعُ مَاؤُهَا شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمَبِيعِ أَنْ يُرَى جَمِيعُهُ، بَلْ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِرُؤْيَتِهِ وَأَمَّا مَا يَتَجَدَّدُ وَمِثْلُ الْمَنَابِعِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ فَلَا يَشْتَرِطُ أَحَدٌ رُؤْيَتَهُ فِي بَيْعٍ وَلَا إجَارَةٍ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا لَوْ بَاعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>