للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ ذَكَرَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ مَا ابْتَدَعُوهُ مِنْ الدِّينِ الَّذِي فِيهِ تَحْلِيلُ الْحَرَامِ، وَالْعِبَادَةُ الَّتِي لَمْ يُشَرِّعْهَا اللَّهُ بِمِثْلٍ قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٣٨] إلَى آخِرِ السُّورَةِ.

وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي قَوْلِهِ: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: ٢٧] إلَى قَوْلِهِ: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: ٢٨] إلَى قَوْلِهِ: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٢٩] إلَى قَوْلِهِ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١] {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: ٣٢] إلَى قَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣] .

وَهَؤُلَاءِ قَدْ يُسَمُّونَ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْبِدَعِ " حَقِيقَةً "، كَمَا يُسَمُّونَ مَا يَشْهَدُونَ مِنْ الْقَدَرِ " حَقِيقَةً ".

وَطَرِيقُ الْحَقِيقَةِ عِنْدَهُمْ هُوَ السُّلُوكُ الَّذِي لَا يَتَقَيَّدُ صَاحِبُهُ بِأَمْرِ الشَّارِعِ وَنَهْيِهِ، وَلَكِنْ بِمَا يَرَاهُ وَيَذُوقُهُ وَيَجِدُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَهَؤُلَاءِ لَا يَحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ مُطْلَقًا، بَلْ عُمْدَتُهُمْ اتِّبَاعُ آرَائِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، وَجَعْلُهُمْ لِمَا يَرَوْنَهُ وَيَهْوُونَهُ حَقِيقَةً، وَأَمْرُهُمْ بِاتِّبَاعِهَا دُونَ اتِّبَاعِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، نَظِيرُ بِدَعِ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَا ابْتَدَعُوهُ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَقَائِقَ عَقْلِيَّةً يَجِبُ اعْتِقَادُهَا.

دُونَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السَّمْعِيَّاتُ، ثُمَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إمَّا أَنْ يُحَرِّفُوهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْرِضُوا عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَا يَتَدَبَّرُونَهُ وَلَا يَعْقِلُونَهُ، بَلْ يَقُولُونَ: نُفَوِّضُ مَعْنَاهُ إلَى اللَّهِ، مَعَ اعْتِقَادِهِمْ نَقِيضَ مَدْلُولِهِ.

وَإِذَا حُقِّقَ عَلَى هَؤُلَاءِ مَا يَزْعُمُونَهُ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَدْتَ جَهْلِيَّاتٍ وَاعْتِقَادَاتٍ فَاسِدَةً.

وَكَذَلِكَ أُولَئِكَ إذَا حُقِّقَ عَلَيْهِمْ مَا يَزْعُمُونَهُ مِنْ حَقَائِقِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَدْتَ مِنْ الْأَهْوَاءِ الَّتِي يَتَّبِعُهَا أَعْدَاءُ اللَّهِ لَا أَوْلِيَاؤُهُ.

وَأَصْلُ ضَلَالِ مَنْ ضَلَّ هُوَ بِتَقْدِيمِ قِيَاسِهِ عَلَى النَّصِّ الْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>