للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إسلاميا فجعلوه علما مَخْصُوصًا ميزوه باسم علم التصوف، أَو الْحَقِيقَة، أَو الْبَاطِن.

وَهَكَذَا بعد أَن كَانَ التصوف عملا تعبدياً مَحْضا جَعَلُوهُ فَنًّا نظريا اعتقاديا بحتا.

ثمَّ جَاءَ مِنْهُم فِي الْقرن الْخَامِس وَمَا بعده بعض غلاة دهاة، رَأَوْا مجالاً فِي جهل أَكثر الْأمة لِأَن يحوزوا بَينهم مقَاما، كمقام النُّبُوَّة بل الألوهية، باسم لولاية والقطبانية أَو الغوثية؛ وَذَلِكَ بِمَا يدعونَ من الْقُوَّة القدسية وَالتَّصَرُّف فِي الملكوت، فوسعوا فلسفة التصوف بِأَحْكَام تشبه الحكم، بنوها على زخرف التأويلات والكشف والتحكمات والمثال والخيال والأحلام والأوهام، وألفوا فِي ذَلِك الْكتب الْكَثِيرَة والمجلدات الْكَبِيرَة، محشوة بحكايات مكذوبة، وتقريرات مخترعة، وقضايا وتركيبات لَا مَفْهُوم لَهَا الْبَتَّةَ حَتَّى وَلَا فِي مخيلة قائليها، كَمَا أَن قارئيها أَو سامعيها لَا يتصورون لَهَا معنى مُطلقًا وَإِن كَانَ بَعضهم يتظاهر بِحَالَة الْفَهم، ويتلمظ بِأَن للْقَوْم اصْطِلَاحَات لَا تدْرك إِلَّا بالذوق الَّذِي لَا يعرفهُ إِلَّا من شرب مشربهم.

وَبَعض هَؤُلَاءِ الغلاة قتلوا كفرا وَمَعَ ذَلِك شاعت كتبهمْ ومقالاتهم، وحازوا الْمقَام الَّذِي ادعوهُ بعد مماتهم، لِأَن فِي تَعْظِيم

<<  <   >  >>