ويحتمل أن نقول: أن المماطلة يرجع فيها إلى العرف: فالانتظار يوم أو يومين أو الانتظار إلى مجيء مبلغ مالي للمدين معين سياتي بعد فترة لا يعتبر من المماطلة.
لكن إذا طالت القضية وأعطى موعداً أكثر من مرة فمع أنه يستطيع أن يوفي في المرة الأولى فحينئذ نعتبره مماطل.
الذي يريد أن أقوله: أنه لا نعتبره مماطل من أول مرة كما هو رأي الحنابلة: أنه إذا طولب ولم يسدد فهو مماطل. أقول أنه لو رجع في تحديد المماطل إلى العرف لكان أولى فإن الناس لا يعتبرون الإنسان مماطلاً بالرفض من أول مرة لا سيما إذا كان عنده سبب وجيه. ثم انتقل إلى المرحلة الأخرى: إذا لم يفي.
- فقال - رحمه الله -:
- فإن أبى: حبس بطلب ربه.
إن أبى هذا المستطيع وفاء الدين فإنه يحبس. لكنه لا يحبس إلا بطلب صاحب الدين لأنه من حقوق صاحب الدين وليس من الولايات العامة التي يفعلها الحاكم بلا طلب من صاحب الحق بل هو حق خاص إنما يحبس إذا طلب.
وحبس المدين إذا لم يوف ما عليه: مذهب الجماهير من السلف والخلف.
وأول من حبس على الدين شريح - رحمه الله - ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي يحبسون وإنما كانت الطريقة في العهد النبوي والقرون المفضلة أن يلازم الدائن المدين إلى أن يفي بما عليه ولم يكونوا يحبسون.
لكن من المعلوم أنه بعدما كثرت أقضية الناس وخف دينهم في وقت شريح وهو في وقت مبكر احتاج الحاكم أن يحبس وأصبح أداء الحقوق يكاد يتعذر عند المماطلين بدون الحبس. فالحبس مشروع.
والدليل على مشروعيته مع عمل السلف الصالح به:
- قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته).
فالعقوبة هي الحبس ونحوه.
وأما العرض: فهو أنه يجوز للدائن إذا ماطله المدين - يجوز له ولا حرج عليه أن يقول للمدين الواجد: يا ظالم يا باغي يا معتدي ولا حرج عليه. لأن هذا الذي امتنع من أداء الدين أحل عرضه الدائن بمقتضى الشرع.
- ثم قال - رحمه الله -:
- فإن أصر.
أي فغن أصر بعد الحبس فإنه يعزر إما بالضرب أو بالتشهير أو بما يراه الحاكم مناسباً لحال هذا المعتدي.