للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[إرادة الله]

كنت أقرأ سورة البروج في صلاة الصبح وإذا بي أقف فجأة عند قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} فلم أستطع أن أتجاوزها لا لأنني نسيت ما بعدها، ولكن لشدة شعوري بها وقوة إحساسي بتأثيرها، فلم أستطع أن أنتقل إلى ما بعدها، وأحسست بقشعريرة تستولى على بدني كله إذ شعرت بضعف الإنسان أمام قوة الله الفعال لما يريد، ومرت بي برهة من الزمن لم أستطع- خلالها- أن أمضي في القراءة فقد أسرتني هذه الآية وقيدتني وردتنى إلى صوابي وفتحت لي مغالق لمواقف وحالات مثيرة، مرت بي في حياتي، إذ جعلتني أفقه السر في خيبه آمالنا وفشل مساعينا، لأن هناك إرادة تسيطر على إرادتنا وقوة فوق قوتنا {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}

إن أحدنا يريد الخير لأمته ويبالغ في نصحها، ويلهم الأساليب الصالحة لهدايتها والطرق الحكيمة لسعادتها، ولكنه لا ينجح، ولعل هذه الحال هي التي أوحت إلى الإمام الغزالي أن يقول: (ليست المشكلة النصيحة، إنما المشكلة قبولها، وأدركت للحال أمثال هده الحال التي كانت تعرض له صلى الله عليه وسلم أثناء دعوته، فيستولي عليه الجزع ويكرب صدره ما يصدمه من عناد قومه وصلابتهم وقوة تمسكهم بضلالهم القديم حتى يسمع التنبيه مما يوحي إليه من مثل قوله تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} ومثل قوله: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، ومثل قوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، وينهاه عن إعنات نفسه وإرهاقها في هذا السبيل، بمثل قوله: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} وبمثل قوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} بل ينجده أحيانا ببيان السبب في هذا الإصرار على الضلال بمثل قوله: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ} وبمثل قوله: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}، ثم ذكرت كيف أنه صلى الله عليه وسلم رغم ما بذله من جهد لم يستجب لدعوته خلال الست سنوات الأولى لبعثته غير أربعين رجلا وامرأة بدخول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الإسلام في السنة السادسة للبعثة إذ لم يجد من المسلمين غير تسع وثلاثين رجلا وامرأة، وفي هذا خير درس لمقاومة اليأس، ولله در أبى العلاء المعري إذ يقول: (والعقل زين ولكن فوقه قدر)

<<  <   >  >>