على الوجوه من بشر وعلى الألسنة من ملق، فالحلم لا يعرف إلا عند الغضب كما لا تعرف الشجاعة إلا عند الحرب وكما لا يعرف الإخوان إلا عند الحاجة إليهم وعند التجربة لهذا الخلق ربما خرجت بتفسير واضح لقول علي رضي الله عنه:(خير الناس من لم تجربه) فلا أشق على النفس من الحلم لذا كان سيد الأخلاق بحق ولا يحتل معه هذه المكانة أو يدانيها إلا أخوه البذل، فلا عجب أن يكونا أداة السيادة ولا عجب أن ترى القرآن يصطنع في الدعوة إليهما ذلك الأسلوب الفريد الفذ في قيادة المجتمع وتوجيهه فيجعلا البذل في سبيل الله قرضا مع الله ومعنى ذلك أن الباذل في وجوه الخير لم يخسر ما له وإنما يعود إليه- كما تعود القروض إلى أصحابها- أضعافا مضاعفة، وذلك وجه من وجوه الكسب لا مغرم من المغارم كما يفهمه ميت الإحساس من أغنيائنا وليتأمل مثل قوله:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} كما يجعل الحلم والأناة وأدب الخطاب تحول العدو إلى صديق كريم وولي حميم، وليتأمل مثل قوله:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وهو أسلوب في التوجيه عظيم ومنهج في الدعوة حكيم، بقي علينا أن نورد بعض النماذج ممن اشتهروا بالحلم في تاريخ الإسلام فهذا موعدنا به فصل آخر إن شاء الله.