ونظيرُ ذلك ما قَصَّهُ اللَّهُ في سورةِ (الفتحِ) عامَ الحديبيةِ، لَمَّا نَزَلَتْ سورةُ (إنا فتحنا) عامَ ستٍّ من الهجرةِ، رجوعَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من عمرةِ الحديبيةِ، لَمَّا عقدَ الصلحَ مع قريشٍ، وأنزلَ اللَّهُ عليه سورةَ (الفتحِ). كان لَمَّا بَلَغَهُمْ أن قريشًا قتلوا عثمانَ بنَ عفانَ (رضي الله عنه)، وَبَايَعُوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تحتَ سمُرةٍ من شجرِ الحديبيةِ، بَايَعُوهُ بيعةَ الرضوانِ، عندَ هذه البيعةِ عَلِمَ اللَّهُ من قلوبِهم الإخلاصَ، والإيمانَ الكاملَ، والصدقَ كما ينبغي، وَنَوَّهَ بإيمانِهم الذي عَلِمَهُ في قلوبِهم قال:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}[الفتح: آية ١٨] فَنَوَّهَ عن إيمانِهم بالاسمِ الْمُبْهَمِ الموصولِ. أي: ما فِي قلوبِهم من الإيمانِ بِاللَّهِ (جل وعلا) كما يَنْبَغِي، عَدَّدَ نتائجَ هذا الإيمانِ الخالصِ الكاملِ، عَدَّدَ نتائجَه عليهم، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ نَتَائِجِهِ أَنْ قَالَ:{وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} فَصَرَّحَ بأن إمكانياتِهم العدديةَ والعُدديةَ لَمْ تُقْدِرْهُمْ عليها. ثُمَّ قَالَ:{قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} فَأَقْدَرَكُمْ عليها. وقال:{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}[الفتح: آية ٢١] كما قال في (الأحزاب). يعنِي: إِنْ كُنْتُمْ في ضَعْفٍ فَهُوَ قَوِيٌّ قَادِرٌ.