حيث أضاعوها ولم تُجْدِ عنهم شيئًا، بل كانت الدائرة منتهاها عليهم، والغلبة عليهم، وهذا معنى قوله:{ثُمَّ يُغْلَبُونَ}[الأنفال: الآية ٣٦] ثم يكون المآل أن يُغلبوا ويُقهروا كما كان المآل أن قُتل هؤلاء وفُتحت مكة يوم فتح مكة، وصاروا الطلقاء، وضاعت تلك الأموال، ولم تُجْدِ عنهم شيئًا، ولم تغن لهم شيئًا.
وهذه الآية الكريمة أشارت إلى ركنٍ من ركني ما يسمى (الاقتصاد)؛ لأن القرآن العظيم تنزيل رب العالمين، يوضح الله به أصول جميع الأشياء التي يحتاج لها البشر، والنبي صلى الله عليه وسلم يبسط ذلك ويبينه، وهذا الذي يعبر الناس عنه اليوم في عرفهم بـ (الاقتصاد)، أشارت هذه الآية الكريمة إلى أحد ركنيه، وإيضاح ذلك أن ما يسمى بـ (الاقتصاد) أن جميع مسائله المتشعبة راجعة في الحقيقة إلى أصلين لا ثالث لهما:
أحد هذين الأصلين: هو حسن النظر في اكتساب المال، ومعرفة الوجوه التي يحصل بها ذلك.
والثاني منهما: حسن النظر في صرف المال في مصارفه، ولا بد لأحدهما من الآخر، فالاقتصاد إذن عمل مزدوج لا يصح أحد ركنيه دون الآخر؛ لأن الذي لا يقدر على اكتساب المال، ولا يعرف الطرق التي يكتسبه بها لا يكون صاحب اقتصاد، وكذلك الذي يعرف طرقه وهو ماهر في تحصيله، إذا كان لا يعرف صرفه بالحكمة فإنه لا يجديه شيئًا؛ لأن الإناء المخروق لو جعلت فيه البحر لما ملأه، فلا بد من حسن النظر في الاكتساب أولاً، ثم حسن النظر في الصرف ثانيًا. وهذه الآية الكريمة من سورة الأنفال أشارت إلى أحد الركنين،