للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُم ... بِهِنَّ فُلولٌ مِنْ قِرَاعِ الكَتَائِبِ

ولذلك أُطلقت الكتابة على الخياطة؛ لأن الخياطة يُضم فيها طرف الثوب أو طرف الأديم بعضها إلى بعض ويُجمعان بالخيط الذي يخيط به الخائط كما هو معروف، وفي ألغاز الحريري (١):

وكَاتِبِينَ وَمَا خَطَّتْ أَنَامِلُهمْ ... حَرْفًا ولا قَرَءُوا مَا خُطَّ في الكُتُبِ

يعني الخياطين؛ ولذلك سمّت الْعَرَبُ الرّقْعَة التي تكون في السقاء، والسير التي تُخاط به سَمَّتْهُمَا (كُتبة) لأنه شيء يُلصق بشيء ويُضم إليه، وهو معنى معروف في كلامها، ومنه قول غيلان ذي الرمة (٢):

ما بَالُ عَيْنَيْك منها الماءُ يَنْسَكِبُ ... كأنهُ من كُلًى مَفْريةٍ سَرَبُ ...

وفْراء غَرْفِيَّة أَثْأَى خَوَارِزها ... مشَلْشَلٌ ضَيَّعَتْهُ بينها الكُتَبُ

ومن هذا قيل للخياط: كاتب، ومنه قول الشاعر يهجو بني فزارة ويعيرهم بأنهم يفعلون الفاحشة مع إناث الإبل (٣):

لا تَأْمَنَنَّ فَزَاريًّا خَلَوْتَ بِهِ ... عَلَى قلُوصِكَ واكْتُبْهَا بأَسْيَارِ

فقوله: «واكتبها بأسيار» يعني: خِط ثفرها بأسيار لئلا يفعل بها الفزاري الفاحشة. هذا أصل هده المادة في لغة العرب. والكتابة مصدر سيَّال معناه أنك تجمع نقوشًا وتضم بعضها إلى بعض، وتجمع بعضها مع بعض، هي هذه الحروف حتى تصير دالة على المعاني. هذا معنى الكتاب، وهو (فِعال) بمعنى (مفعول) مكتوب. وهذا معنى


(١) السابق.
(٢) مضى عند تفسير الآية (٣٨) من سورة الأنعام.
(٣) السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>