لما كان كمالُ الإرادة بكمال المراد، فإن أكمل الناس إرادة هو من أراد الله -عز وجل-، فوحَّده، ولم يشرك به شيئًا، وسعى إِلى مجاورة الرفيق الأعلى في دار كرامته التي رضيها الله لأوليائه، وتجافى عن دار الغرور التي جعلها للمؤمن سجنًا، وللكافر جنة، قيل للعتَّابي:"فلان بعيد الهمة"، قال:"إِذن لا يكونُ له غاية دون الجنة".
قد هيَّأوك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهَمَلِ
وإذا كانت لذة كل أحد على حسب قدره وهمته وشرف نفسه، فأشرف الناس نفسَّا، وأعلاهم همة، وأرفعهم قدرًا مَنْ لذتهم في معرفة الله ومحبته، والشوق إِلى لقائه، والتودد إِلية بما يحبه ويرضاه {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.
يقول الإمام الغزالي -رحمه الله- في كتابه "منهاج العابدين":
(الملك والكرامة بالحقيقة في الدنيا لأولياء الله -عز وجل- وأصفيائه الراضين بقضائه، فالبر والبحر والأرض والحجر والمدر لهم ذهب وفضة، والجن والإنس والبهائم والطير لهم مسخرون، لا يشاءون إلا ما شاء الله، وما شاء الله كان، ولا يهابون أحدًا من الخلق، ويهابهم كل الخلق، ولا يخدمون أحدًا إلا الله -عز وجل-، ويخدمهم كل من دون الله، وأين لملوك الدنيا بعشر هذه الرتبة، بل هم أقل وأذل، وأما ملك الآخرة فيقول الله تعالى: {وإذا رأيتَ ثَمَّ رأيتَ نعيمًا ومُلكًا