والمثال الأعلى للبشرية باعتبارهم "خير أمة أخرجت للناس"، بعد أن كانوا فرائق بَددًا، لا نظام، ولا قوام، ولا علم، ولا شريعة.
لقد قطع المسلمون تلك المرحلة التي سَهَم لها الدهر، ووجم لروعتها التاريخ، وهم يعرفون معالم طريق المجد، ونهج السعادة في الدارين، وأمعنوا بكل ثقة في هذا السبيل مدفوعين بطاقةٍ خارقة، وقوةٍ دافعة، كانوا إذن يدركون بكل دقة معالمَ الطريق كأن معهم "خارطة" مفصلة أودَعُوها "قوتهم العلمية"، وكان الوقود الذى يتزودون به لبلوغ غاياتهم هو "القوة العملية "، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فهذان هما سر عظمة المسلمين، وخيريتهم وتفوقهم على الأمم:"العلم" و "الإرادة".
أما العلم فحسبنا أنه الحاكم على الممالك، والسياسات، والأموال، والأقلام، فمُلْك لا يتأيد بعلم لا يقوم، وسيف بلا علمٍ مِخراق لاعب، وقلم بلا علم حركةُ عابث، والعلم مُسَلَّط حاكم على ذلك كله، ولا يحكم شىء من ذلك على العلم.
ولن نفيض في ذكر فضائل العلم فذاك حديث يطول، وكم صنف المتقدم والمتأخر في شرفه والحث عليه، ولكن المقصود من هذا المبحث إلقاء الضوء على قسيم العلم وشريكه في صناعة المجد، وإحياء الأمة، ألا وهو "القوة العملية" أو "الإرادة" أو "الهمة".