الفريق الثاني والثالث اتفقوا فيما يلي: قالوا لا مانع من محبة الوالد أو القريب الكافر أو الزوجة الكتابية إذا لم تكن لدينهم، بل لقرابتهم فهذه المحبة الطبيعية التي تُمليها الجبلة البشرية والفطرة الإنسانية لا تحرم ولا يُلام عليها المسلم وقد أباح الشرع زواج العفائف الحرائر من نساء أهل الكتاب ولم يُحرَج في محبتهن لجمالهن وحب الاستمتاع بهن بل لا بد أن توجد المودة والرحمة التي أشار الله إليها جل وعلا في كتابه (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) , وكما قال تعالى (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) فالله عز وجل أقر هنا بوجود الإعجاب من غير نكير , وإن كان لم يُقر الانسياق وراء هذا الإعجاب.
ومن الأدلة أيضاً قوله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في شأن عمه أبي طالب الكافر (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) أي من أحببته لقرابته على أحد التفسيرين للآية , وقال الإمام سليمان بن عبدالله - رحمه الله - في كتابه تيسير العزيز الحميد, وقد ثبت في الصحيحين أنها أنزلت في أبي طالب، وقد كان يحوطه وينصره، ويقوم في حقه، ويحبه حباً طبعياً لا حباً شرعياً ا. هـ وبنحوه قال الإمام ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه القول المفيد , ويجوز أن يحبه محبة قرابة، ولا ينافي هذه المحبة الشرعية ا. هـ بل قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تعليقه على تفسير الجلالين (وقوله "إنك لا تهدي من أحببت" المؤلف قدره بقوله: "هدايته". من أحببت هدايته , والصواب من أحببته , إنك لا تهدي من أحببته لماذا عدل المؤلف إلى: أحببت هدايته؟ قال: لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا يمكن أن يُحب أبا طالب وهو كافر. .كيف؟ فإن المؤمن لا يحب الكافرين ولكننا نقول الحب الطبيعي هذا لا يُنافي الإيمان. الإنسان يحب مثلاً قريبه ولو كان كافراً لكنها محبة طبيعية كما تُحب الأم ولدها؛ نعم المحبة الدينية هذه لا تجوز بين المؤمن والكافر (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) أيضاً المؤلف يقول: من أحببت هدايته , في الحقيقة لو أننا حملناها على ما قال المؤلف لكانت هذه تعم كل الناس لأن الرسول يحب أن يهدي كل الناس وليس فقط عمه أبا طالب، لكان من أحببته هذا يختص بأبي طالب أو غيره من أقاربه , أيضاً لو أننا قلنا كما قال المؤلف لكان في الآية إضمار. ما هو الإضمار على تقدير المؤلف؟ إضمار الهداية؛ لأن الأصل في ضمير الصلة أن يعود إلى نفس الصلة، (وإنك لا تهدي من)"مَن" هذا اسم موصول يعود على من؟ على أبي طالب، وعائد الصلة يعود على نفس الصلة. وبهذا تبين أن الراجح "من أحببته" من وجوه ثلاثة: وجه معنوي ووجهان لفظيان.
الوجه المعنوي أن الآية نزلت في أبي طالب، ولو أن "من أحببت هدايته" لكانت عامة.
الوجهان اللفظيان أننا إذا قدرنا "هدايته" لزم أن يكون في الآية شيئاً محذوفاً، والأصل عدم الحذف.