٢ الطرد في اللغة مصدر بمعنى الإبعاد، يقال: طردته طرداً من باب قتل، وأطرده السلطان عن البلد أخرجه منه، وطردت الخلاف في المسألة طرداً أجريته كأنه مأخوذ من المطاردة، وهو الإجراء للسباق، ويقال: أطردت الأمر اطراداً اتبعت بعضه بعضاً، واطرد الماء كذلك. انظر المصباح ٢/١٧. ولعل هذا المعنى هو المناسب للمعنى الاصطلاحي الآتي، ولذا قال الأسنوي في نهاية السول ٣/٧٣: "الطرد مصدر بمعنى الإطراد". وأما في الاصطلاح فهو: مقارنة الوصف الذي لا يناسب ولا يستلزم المناسسب للحكم في جميع الصور، ما عدا صورة المتنازع فيها، وهي صورة الفرع الذي يراد ثبوت الحكم له، لوجود ذلك الوصف فيه بناء على أن ذلك الوصف الطردي علة لذلك الحكم، مثاله قولك: الخل لا تبنى على جنسه القنطرة، فلا تزال به النجاسة كالدهن. قال الشربيني: "ولا يمكن فيه العكس بأن يكون إذا بنيت القنطرة عليه نفسه يطهر، لأنه خلاف المعهود له عن الشارع، قال: فهذا هو الفرق بينه وبين الدوران، فإن الدوران تحقيقه هو أن يوجد الحكم إذا وجدت العلة في محل، وينتفى بانتفائها في ذلك المحل بعينه، كالحرمة عند الإسكار في الخمر وعدمها عند عدمه فيه بعينه، وهذا هو المعهود له من الشارع". انظر: تقريرات الشربيني بهامش حاشية العطار ٢/٣٣٦ - ٣٣٧. قال الإمام في المحصول ٢/٣٠٥ من القسم الثاني المطبوع: "ومنهم من بالغ وقال مهما رأينا الحكم حاصلاً مع الوصف في صورة واحدة حصل ظن العلية"ا. هـ فعلى هذا يكون للطرد تعريفان: الأول: مقارنة الوصف للحكم في جميع الصور. والثاني: مقارنته له في صورة واحدة، والثاني أعم من الأول، وأما حكمه فقد اختلف العلماء في حجيته: أما القائلون بعدم حجية الدوران، فيقولون: إن الطرد ليس بحجة بطريق أولى، وإلى هذا ذهب الآمدي وابن الحاجب. والقائلون بحجية الدوران اختلفوا في حجية الطرد على أربعة مذاهب: الأول: إنه غير حجة مطلقاً أي على التفسيرين، وهذا هو المختار. قال الزركشي في البحر: والمعتبرون من النظار على أن التمسك به باطل، لأنه من باب الهذيان. وقال إمام الحرمين: وتناهى القاضي في تغليظ من يعتقد ربط حكم الله عز وجل به. ونقله الكيا عن الأكثرين من الأصوليين. ونقله القاضي أبو الطيب عن المحصلين من أصحابنا وأكثر الفقهاء والمتكلمين، وقال القاضي حسين فيما نقله عنه البغوي في تعليقه عنه: لا يجوز أن يدان الله به. قال ابن السمعاني: وسمى أبو زيد الذين يجعلون الطرد حجة ودليلاً على صحة العلية حشوية أهل القياس، وقال: ولا يعد هؤلاء من جملة الفقهاء. الثاني: هو حجة مطلقة أي على التفسيرين، وهذا ضعيف ولم أعثر على القائل بذلك. الثالث: هو حجة بالتفسير الأول دون الثاني، ونقله في البحر عن طوائف من الحنفية، وهو غريب، ومال إليه الرازي، وجزم به البيضاوي. قال ابن السمعاني: "وحكاه الشيخ في التبصرة عن الصيرفي". وقال الزركشي: "وهذا فيه نظر، فإن ذلك في الإطراد الذي هو الدوران". وقال القاضي أبو الطيب: "ذهب بعض متأخري أصحابنا إلى أنه يدل على صحة العلية، واقتدى به قوم من أصحاب أبي حنيفة في العراق فصاروا يطردون الأوصاف على مذاهبهم، ويقولون إنها قد صحت، كقولهم في مسّ الذكر آلة الحرث فلا ينقض الوضوء كما إذا مسّ الفدان، وفي الفرج إنه طويل مشقوق فأشبه البوق، وفي السعي بين الصفا والمروة إنه سعي بين جبلين فلا يكون ركناً في الحج، كالسعي بين أي جبلين، ولا يشك عاقل في أن هذا سخف" اهـ الرابع: ما ذهب إليه الكرخي، وهو إنه مقبول جدلاً، ولا يسوغ التعويل عليه عملاً، ولا الفتوى به، وهذا القول ضعيف، بل متناقض كما قال إمام الحرمين. والله أعلم. انظر: البحر المحيط ٣/١٦٩ فما بعدها، نهاية السول مع منهاج العقول ٣/٧٣، ونبراس العقول في تعريف القياس عند علماء الأصول ١/٣٧٧، وتعليق الدكتور طه جابر فياض على المحصول ٢/٣١٣ فما بعدها من القسم الثاني من المطبوع.