وَكَانَ أَبُو الْمَعَالِي مَعَ تبحره فِي الْفِقْه وأصوله لَا يدْرِي الحَدِيث! ذكر فِي كتاب الْبُرْهَان حَدِيث معَاذ فِي الْقيَاس فَقَالَ: هُوَ مدون فِي الصِّحَاح مُتَّفق عَلَى صِحَّته وَكَذَا قَالَ وأنى لَهُ الصِّحَّة ومداره عَلَى الْحَارِث بن عَمْرو وَهُوَ مَجْهُول، عَن رجال من أهل حمص لَا يدْرِي من هم عَن معَاذ.
ثمَّ تعقبه السُّبْكِيّ بِنَحْوِ مَا سبق من تعقب الْحَافِظ لِابْنِ طَاهِر وَلكنه دَافع عَنهُ بوازع من التعصب المذهبي، لَا فَائِدَة كبرى فِي نقل كَلَامه وَبَيَان مَا فِيهِ من التعصب، فحسبك أَن تعلم أَنه ذكر أَن الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَالْفُقَهَاء لَا يتحاشون من إِطْلَاق لفظ الصِّحَاح عَلَيْهَا. فَكَأَن السُّبْكِيّ يَقُول: فللإمام أُسْوَة بهؤلاء الْفُقَهَاء فِي هَذَا الْإِطْلَاق! فَيُقَال لَهُ: أولو كَانَ ذَلِك أمرا مُنْكرا عِنْد الْعلمَاء بِالْحَدِيثِ؟! وَفِي الْوَقْت نَفسه فقد تجاهل السُّبْكِيّ قَول الإِمَام فِي الحَدِيث: مُتَّفق عَلَى صِحَّته، فَإِنَّهُ خطأ مَحْض لَا سَبِيل إِلَى تبريره أَو الدفاع عَنهُ بِوَجْه من الْوُجُوه، وَلذَلِك لم يدندن السُّبْكِيّ حوله وَلَو بِكَلِمَة، وَلكنه كَانَ منصفا حِين اعْترف بِضعْف الحَدِيث وَأَن الإِمَام صحّح غَيره من الْأَحَادِيث الضعيفة فَقَالَ:
وَمَا هَذَا وَحده ادَّعَى الإِمَام صِحَّته وَلَيْسَ بِصَحِيح، بل قد ادَّعَى ذَلِك فِي أَحَادِيث غَيره، وَلم يُوجب ذَلِك عندنَا الغض مِنْهُ.
وَأَقُول أخيرا: إِن وصف الرجل بِمَا فِيهِ لَيْسَ من الغض مِنْهُ فِي شَيْء، بل ذَلِك من بَاب النصح للْمُسلمين، وبسبب تجاهل هَذِه الْحَقِيقَة صَار عَامَّة الْمُسلمين لَا يفرقون بَين الْفَقِيه والمحدث، فيتوهمون أَن كل فَقِيه مُحدث، ويستغربون أَشد الإستغراب حِين يُقَال لَهُم: الحَدِيث الْفُلَانِيّ ضَعِيف عِنْد الْمُحدثين وَإِن احْتج بِهِ الْفُقَهَاء، والأمثلة عَلَى ذَلِك كَثِيرَة جدا، تجدها مبثوثة فِي تضاعيف هَذِه السلسلة، وحسبك الْآن هَذَا الحَدِيث الَّذِي بَين يَديك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute