للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجدير بالإشارة أن أثر السبئية في الجمل واشتغال فتيل الحرب مما يكاد يجمع عليه المؤرخون والعلماء سواء أطلقوا عليهم اسم الغوغاء أو المفسدين أو الأوباش أو أصحاب الأهواء أو سماهم البعض قتلة عثمان أو أطلقوا عليهم صراحة: السبئية.

• من الملاحظ أن الصحابة - رضوان الله عليهم - متفقون على إقامة حد القصاص على قتلة عثمان، لكن الخلاف بينهم وقع في مسألة التقديم أو التأخير، فطلحة والزبير وعائشة ومعاوية - رضوان الله عليهم - كانوا يرون تعجيل أخذ القصاص من الذين حاصروا الخليفة وقتلوه ظلماً، وأن البداءة بقتلهم أولى، بينما رأى أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ومن معه تأخيره حتى يتوطد مركز الخلافة وتستقر الأوضاع، فيتقدم أولياء عثمان بالدعوى عنده على معينين، فيحكم لهم بعد إقامة البينة عليهم، لأن هؤلاء المحاصرين لأمير المؤمنين عثمان ليسوا نفراً من قبيلة معينة، بل هم من قبائل مختلفة.

ومن المعلوم أن علياً - رضي الله عنه - كان في موقفه أسدّ رأياً وأصوب قيلاً، لأنه لو شرع في تنفيذ القصاص في قتلة عثمان لتعصبت لهم قبائل وصارت حرباً أهلية، وقد حدث هذا عندما تعاطى طلحة والزبير القود من قتلة عثمان بالبصرة، فتعصب لهم آلاف من الناس واجتمعوا على حرب طلحة والزبير.

• إذا كان محور الخلاف بين الصحابة - رضي الله عنهم - هو القصاص من قتلة عثمان، كما تواترت بذلك الأخبار، فإنه قد شاع بين الناس أن الخلاف بين علي ومعاوية- رضي الله عنهما - كان سببه طمع معاوية في الخلافة. وهذا غير صحيح، حيث تذكر الروايات الصحيحة في كتب التاريخ والحديث أن معاوية ما خرج إلا للمطالبة بدم عثمان، وأنه صرح بدخوله في طاعة عليّ إذا أقيم الحد على قتلة عثمان.

• إن ما أثير على وجود قتلة عثمان في جيش علي - رضي الله عنه - أمر فيه شبهة، فقد كان في عسكره من الخوارج الذين قتلوا عثمان من لم يعرف بعينه، ومن تنتصر له قبيلته، ومن لم تقم عليه حجة فيما فعل، ومن في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره كله.

وبتتبع الروايات في كتب التاريخ والحديث يلاحظ أن موقف عليّ من قتلة عثمان المندسين في جيشه كان موقف الحذر المحتاط منهم، المتبرء من فعلهم.

• يستنتج من الأدلة الشرعية أن علياً كان أقرب إلى الحق من طلحة والزبير ومعاوية - رضي الله عنهم -، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن الخوارج: (يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق) دلالة واضحة أن علياً كان أقرب إلى الصواب من مخالفيه في الجمل وصفين، لكن لم يصب الحق بتمامه وكماله، حيث كانت السلامة في الإمساك عن القتال؛ لأن العبرة بالنتائج والعاقبة.

ولاشك أن نتيجة الاقتتال كانت مؤلمة جداً. ولهذا أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم عن الحسن - رضي الله عنه - لأن الله أصلح به ما بين المسلمين، وحقن دماءهم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)، في حين أنه لم يثن على قتال أبيه لأهل الشام، بل غاية ما وصفه به أنه أقرب منهم إلى الحق، بخلاف قتال الخوارج فقد أثنى عليه نصاً بقوله: (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم إلى يوم القيامة). كما أن علياً نفسه فرح واستبشر بقتال الخوارج وتألم وتكدر بقتال أهل الجمل وصفين.

وقد كان في إمكان عليّ اتخاذ وسائل أخرى غير السيف لتهدئة الأحوال وجمع الكلمة وللصلح أبواب كثيرة ولو بالتنازل عن بعض الحق.

• إن الموقف الأحوط والأمثل هو موقف الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة وآثروا عدم قتال أهل القبلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>