ضرره، وأنه لا يجوز أن يتابعوا عليه، فكانوا فتنة لنا حتى ينظر من ينظر بعين الحق للحقائق ممن تبهره الظواهر فتسلبه إدراكه فيغدو لا يفرق بين اللب والقشور.
[إقتداء]
علمنا من هذه الآية وغيرها:
أن الله تعالى يمتحن عباده ويختبرهم ليظهر حقائقهم. فلنقتد به تعالى في هذا: فنبني أمورنا على الامتحان والاختبار، فلا نقرر علماً، ولا نصدر حكماً إلاّ بعد ذلك، وخصوصاً في معرفة الناس والحكم عليهم؛ فالظواهر كثيرا ما تخالف البواطن، والتصنّع والتكلّف قلّما يسلم منهما أحد، ولا يعصم من الخطأ مع هذه المغالطات كلها إلاّ الامتحان والاختبار فاعتصم بهما.
[اهتداء]
كل من اتصل بك من أهلك، وبنيك، وأبيك، وأمك، وأصحابك، وعشيرتك، وقومك، وكل من ترتبط به برباط من أبناء جنسك، هو فتنة وامتحان لك:
هل تقوم بواجبك نحو من جلب خير له؟ أو دفع شر عنه؟ أو جلب خير منه لغيره؟ أو دفع شره عن غيره؟
وهل تكف يدك عن شيئه؟ وتكف بصرك عما متع به، وتسأل الله مما عنده من فضله؟.
وإنما تقوم بواجبك نحوه مما تقدم، وتكف يدك وعينك عنه، وتسأل الله مما عنده راضياً بما قسم لك، معتقداً الخير كل الخير في قسمه؛ إذا تدرعت بالصبر على إتيانه، وإن كان عليك ثقيلاً. والكف عما يطلب منك الانكفاف عنه، وإن كان منك قريباً، وفي طبعك لذيذاً.
وإنما يكون لك هذا الصبر، إذا كنت دائم اليقين بعلم الله بك، واطلاعه عليك، وأنه كان بك بصيراً.
هذه الحقائق كلها هدتنا هذه الآية الكريمة إليها:
هدتنا إلى أنا امتحنا ببعضنا، وأن الذي يخلصنا في هذا الامتحان، ويخرجنا سالمين هو الصبر.
وأن حالتنا في الامتحان منكشفة لمن سيجازينا عليها.
فلنهتد بهدايتها إلى ما هدتنا اليه، ولنتدرّع في هذا الامتحان العظيم بالصبر المتين، ولنستحضر في قلوبنا مراقبة الله لنا؛ لتثبت قدمنا في مقام الصبر بروح اليقين، فبذلك نخرج- إن شاء الله تعالى- من نار الفتنة ذهباً خالصاً نقياً، وجوهراً طيباً زكيا، فنسعد في الدارين برضى رب العالمين والله وليّ التوفيق.