الْعَشَرَةِ وَالْمُشَدَّدَ عَلَى الْأَقَلِّ) وَإِنَّمَا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْعَوْدِ، وَإِذَا طَهُرَتْ لِأَقَلَّ مِنْهَا يُحْتَمَلُ الْعَوْدُ، فَلَمْ تَحْصُلْ الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ فَاحْتِيجَ إلَى الِاغْتِسَالِ لِتَتَأَكَّدَ الطَّهَارَةُ.
(وَأَمَّا الثَّالِثُ) أَيْ الْمُخَلِّصُ مِنْ قِبَلِ الزَّمَانِ (فَإِنَّهُ إذَا كَانَ صَرِيحَ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ يَكُونُ الثَّانِي نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ فَكَذَا إنْ كَانَ دَلَالَتُهُ كَنَصَّيْنِ أَحَدُهُمَا مُحَرِّمٌ وَالْآخَرُ مُبِيحٌ يُجْعَلُ الْمُحَرِّمُ نَاسِخًا؛ لِأَنَّ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانَ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةَ وَالْمُبِيحُ وَرَدَ لِإِبْقَائِهِ ثُمَّ الْمُحَرِّمُ نَسَخَهُ، وَلَوْ جَعَلْنَا عَلَى الْعَكْسِ يَتَكَرَّرُ النَّسْخُ) أَيْ لَوْ قُلْنَا إنَّ الْمُحَرِّمَ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمُبِيحِ فَالْمُحَرِّمُ كَانَ نَاسِخًا لِلْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ ثُمَّ الْمُبِيحُ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُحَرِّمِ فَيَتَكَرَّرُ النَّسْخُ، فَلَا يَثْبُتُ التَّكْرَارُ بِالشَّكِّ وَفِيهِ نَظَرٌ (لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ الْأَصْلِيَّةَ لَيْسَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا، فَلَا تَكُونُ الْحُرْمَةُ بَعْدَهُ نَسْخًا) .
وَبَيَانُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُحَرِّمَ لَوْ كَانَ مُتَقَدِّمًا لَكَانَ نَاسِخًا لِلْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ نَاسِخًا لَهَا إنْ قَدْ وَرَدَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ دَالٌّ عَلَى إبَاحَةِ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ كَوْنُ الْمُحَرِّمِ نَاسِخًا لِذَلِكَ الْمُبِيحِ لَكِنْ وَرَدَ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ مُسَلَّمٍ، فَلَا يَكُونُ الْمُحَرِّمُ نَاسِخًا لِذَلِكَ الْمُبِيحِ لِمَا عَرَفْت مِنْ تَعْرِيفِ النَّسْخِ
ــ
[التلويح]
إذْ لَا اخْتِلَافَ فِي الْمَفْهُومِ بَلْ فِي الْأَفْرَادِ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ فَعِنْدَ الْقَائِلِينَ بِعُمُومِ الْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ يَكُونُ الْمَعْنَى لَا يُؤَاخِذُكُمْ شَيْئًا مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ عُقُوبَةً كَانَتْ، أَوْ كَفَّارَةً فِي اللَّغْوِ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِهِمَا، أَوْ بِأَحَدِهِمَا فِي الْمَكْسُوبَةِ وَالْمَعْقُودَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ.
(قَوْلُهُ: فَبِالتَّخْفِيفِ) أَيْ قِرَاءَةُ: {يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] بِتَخْفِيفِ التَّاءِ وَالْهَاءِ تُوجِبُ حِلَّ الْقُرْبَانِ بَعْدَ حُصُولِ الطُّهْرِ سَوَاءٌ حَصَلَ الِاغْتِسَالُ، أَوْ لَمْ يَحْصُلْ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْحِلَّ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] قَوْلًا بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ، فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْحِلَّ كَانَ ثَابِتًا وَالنَّهْيَ قَدْ انْقَضَى بِالطُّهْرِ فَبَقِيَ الْحِلُّ الثَّابِتُ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ النَّهْيِ إيَّاهُ فَعَبَّرَ عَنْ عَدَمِ رَفْعِ الْآيَةِ الْحِلَّ بِإِيجَابِهَا إيَّاهُ تَجَوُّزًا.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ حَقِيقَةَ الطُّهْرِ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ " فَإِذَا طَهُرْنَ فَأْتُوهُنَّ " فَاتِّفَاقُ الْقُرَّاءِ عَلَى: {يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] أَيْ اغْتَسَلْنَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: حَتَّى يَطْهُرْنَ يَغْتَسِلْنَ أَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ فَحَقِيقَةٌ، وَأَمَّا عَلَى التَّخْفِيفِ فَمَجَازٌ بِإِطْلَاقِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ ضَرُورَةَ لُزُومِ الْغُسْلِ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ فَيَكُونُ حُرْمَةُ الْقُرْبَانِ عِنْدَ الدَّمِ مَعْلُومَةً مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢] وَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ} [البقرة: ٢٢٢] . . الْآيَةَ لِبَيَانِ انْتِهَاءِ الْحُرْمَةِ وَعَوْدِ الْحِلِّ بِهِ أُجِيبَ بِأَنْ تَفَعَّلَ قَدْ يَجِيءُ بِمَعْنَى فَعَّلَ كَتَكَبَّرَ وَتَعَظَّمَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فِي قِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ إذْ فِي الِانْقِطَاعِ عَلَى الْعَشَرَةِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ حَقِّ الزَّوْجِ إلَى الِاغْتِسَالِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَوَضَّأْنَ أَيْ صِرْنَ أَهْلًا لِلصَّلَاةِ.
وَفِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute