للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ الْإِعْتَاقُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةٍ تَجْزِي الْإِعْتَاقَ.

(وَالطَّلَاقُ إثْبَاتُ الْقَيْدِ فَوُجِدَتْ الْمُنَاسَبَةُ) الْمُجَوِّزَةُ لِلِاسْتِعَارَةِ بَيْنَهُمَا.

(قُلْنَا نَعَمْ) يَعْنِي أَنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةٍ تَجْزِي الْإِعْتَاقَ (لَكِنْ بِمَعْنَى أَنَّ التَّصَرُّفَ الصَّادِرَ مِنْ الْمَالِكِ هِيَ أَيْ إزَالَةُ الْمِلْكِ) لَا بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ وَضَعَ الْإِعْتَاقَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فَالْمُرَادُ بِالْإِعْتَاقِ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ أَيْ يُرَادُ بِالْإِعْتَاقِ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ لِأَنَّ الشَّارِعَ، وَضَعَهُ لَهُ فَيُرَدُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي الشَّرْعِ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا لِإِثْبَاتِ الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْنَدَ إلَى الْمَالِكِ فَإِنَّهُ مَا أَثْبَتَ قُوَّةً فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ (فَيُسْنَدُ إلَى الْمَالِكِ مَجَازًا لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ سَبَبُهُ، وَهُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ) فَيَكُونُ الْمَجَازُ فِي الْإِسْنَادِ كَمَا فِي أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ (أَوْ يُطْلَقُ) أَيْ الْإِعْتَاقُ (عَلَيْهَا) أَيْ إزَالَةِ الْمِلْكِ (مَجَازًا) بِقَوْلِهِ أَعْتَقَ فُلَانٌ عَبْدَهُ مَعْنَاهُ أَزَالَ مِلْكَهُ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَجَازُ فِي الْمُفْرَدِ فَقَوْلُهُ أَوْ يُطْلَقُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيُسْنَدُ.

(فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ مَجَازًا) هَذَا إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ يُطْلَقُ عَلَيْهَا مَجَازًا أَيْ لَيْسَ إطْلَاقُ الْإِعْتَاقِ عَلَى إزَالَةِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ

ــ

[التلويح]

مِنْهُ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ مَنْقُولَانِ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الْوَاجِبِ رِعَايَتُهُ عِنْدَ اسْتِعَارَةِ الْأَلْفَاظِ الْمَنْقُولَةِ، وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ لِلطَّلَاقِ مُنْبِئٌ عَنْ إزَالَةِ الْحَبْسِ، وَرَفْعِ الْقَيْدِ يُقَالُ أَطْلَقْت الْمَسْجُونَ خَلَّيْتُهُ، وَأَطْلَقْت الْبَعِيرَ عَنْ عِقَالِهِ، وَالْأَسِيرَ عَنْ إسَارِهِ فَنُقِلَ إلَى رَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ بِهِ قَدْ صَارَتْ مَحْبُوسَةً بِحَقِّ الزَّوْجِ مُقَيَّدَةً شَرْعًا لَا يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ، وَالْبُرُوزُ بِلَا إذْنِهِ، وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ لِلْعَتَاقِ مُنْبِئٌ عَنْ الْقُوَّةِ، وَالْغَلَبَةِ يُقَالُ عَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ، وَطَارَ عَنْ، وَكْرِهِ، وَعَتَاقُ الطَّيْرِ كَوَاسِبُهَا جَمْعُ عَتِيقٍ لِزِيَادَةِ قُوَّةٍ فِيهَا فَنُقِلَ فِي الشَّرْعِ إلَى إثْبَاتِ الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْوِلَايَةِ، وَالشَّهَادَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا تَشَابُهَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي شُرِعَا عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ مَعْنَى الْإِعْتَاقِ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ لَمَا صَحَّ إسْنَادُهُ إلَى الْمَالِكِ فِي مِثْلِ أَعْتَقَ فُلَانٌ عَبْدَهُ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إثْبَاتُ تِلْكَ الْقُوَّةِ بَلْ مُجَرَّدُ إزَالَةِ الْمِلْكِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْإِسْنَادِ حَيْثُ أُسْنِدَ الْفِعْلُ إلَى السَّبَبِ الْبَعِيدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} [الأعراف: ٢٧] فَإِنَّ الْمِلْكَ سَبَبٌ فَاعِلِيٌّ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ، وَهِيَ سَبَبٌ لِإِثْبَاتِ الْقُوَّةِ لَا يُقَالُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْمَالِكِ سَبَبٌ غَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ فِي الشَّرْعِ لِإِنْشَاءِ الْعِتْقِ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ ثَابِتٌ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَاتِ الشَّرْعِيَّةَ غَيْرُ مَعْزُولَةٍ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ الْمَعَانِي الْإِخْبَارِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ صُدُورِ إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ قَبْلَ التَّكَلُّمِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي فَصْلِ الِاقْتِضَاءِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْمُسْنَدِ حَيْثُ أُطْلِقَ الْإِعْتَاقُ الْمَوْضُوعُ لِإِثْبَاتِ الْقُوَّةِ عَلَى سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ ضَعِيفٌ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ الْإِعْتَاقِ لُغَةً، وَعُرْفًا، وَشَرْعًا إلَّا إزَالَةُ الْمِلْكِ، وَالتَّخْلِيصُ

<<  <  ج: ص:  >  >>