للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ومتى نوى المؤمن بتناول شهواته المباحة التقوِّي على الطاعة كانت شهواتُه له طاعة يُثابُ عليها، كما قال معاذ بن جبل: إنِّي لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي (١)، يعني: أنَّه ينوي بنومه التَّقوِّي على القيام في آخر الليل، فيحتسِبُ ثوابَ نومهِ كما

يحتسب ثواب قيامه. وكان بعضهم إذا تناول شيئاً من شهواته المباحة واسى منها إخوانَه، كما روي عن ابن المبارك أنَّه كان إذا اشتهى شيئاً لم يأكلْه حتّى يشتهيه بعضُ أصحابه، فيأكله معهم، وكان إذا اشتهى شيئاً، دعا ضيفاً له ليأكل معه.

وكان يذكر عن الأوزاعي أنَّه قال: ثلاثة لا حسابَ عليهم في مطعمهم:

المتسحِّر، والصائم حين يفطر، وطعام الضيف (٢).

وقال الحسن: ليس مِن حبك للدُّنيا طلبك ما يصلحك فيها، ومن زهدك فيها ترك الحاجة يسدها عنك تركها، ومن أحبَّ الدُّنيا وسرَّته، ذهب خوفُ الآخرة من قلبه.

وقال سعيد بن جبير: متاعُ الغرور ما يُلهيك عن طلب الآخرة، وما لم يُلهك فليس بمتاع الغرور، ولكنَّه متاعُ بلاغٍ إلى ما هو خيرٌ منه (٣).

وقال يحيى بنُ معاذ الرازي: كيف لا أُحِبُّ دنيا قُدِّر لي فيها قوتٌ، أكتسب بها حياةً، أُدركُ بها طاعةً، أنالُ بها الآخرة.

وسئل أبو صفوان الرّعيني - وكان من العارفين -: ما هي الدُّنيا التي ذمَّها الله في القرآن التي ينبغي للعاقل أنْ يجتنبها؟ فقال: كلُّ ما أصبت في الدُّنيا تريدُ به الدُّنيا، فهو مذمومٌ، وكلُّ ما أَصبتَ فيها تريدُ به الآخرة، فليس منها (٤).

وقال الحسن: نعمت الدار كانت الدُّنيا للمؤمن، وذلك أنَّه عمل قليلاً، وأخذ زاده منها إلى الجنَّة، وبئست الدار كانت للكافر والمنافق، وذلك أنَّه ضيَّع لياليه،


(١) أخرجه: عبد الرزاق (٥٩٥٩)، وأحمد ٤/ ٤٠٩ عن معاذ بن جبل، به.
وهو جزء من حديث طويل. …
(٢) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٦/ ٧٢ من طريق يونس بن يزيد، عن الأوزاعي، عن حَسَّان.
(٣) أخرجه: نعيم بن حماد في " زوائده على الزهد " لابن المبارك (١٤٠).
(٤) أخرجه: أبو سعيد في " الزهد وصفة الزاهدين " (٣٥)، وأبو نعيم في " الحلية " ١٠/ ٥، والبيهقي في " الزهد الكبير " (٤٤٨).

<<  <   >  >>