عن قليل، وأبعار ظباء لها مشمّ فى أول شمّها، ثم تعود إلى أرواح البعر.
أخبرنى محمد بن يحيى، قال: زعم المدائنى أنّ ذا الرمة قال للفرزدق: كيف ترى هذا الشّعر يا أبا فراس لشعر أنشده؟ قال: أرى شعرا مثل بعر الصّيران «٦» ؛ إن شممت شممت رائحة طيبة، وإن فتتّ فتتّ عن نتن.
قال محمد بن القاسم الأنبارى: حدثنى أبى، قال: حدثنا محمد بن على بن المغيرة الأثرم، قال: حدثنا أبى، عن الأصمعى، قال: حدثنا هارون الأعور، قال: قلت لجرير: أخبرنا عنك وعن هذين الرجلين؟ يعنى الأخطل والفرزدق. فقال جرير: أما أنا فمدينة الشعر. فقالوا: فالفرزدق؟ قال: له سنّ وفخر. قالوا: فالأخطل؟ قال: أرمانا للفرائص، وأشدّنا اجتزاء بالقليل، وأنعتنا للخمر والحمر. قالوا: فذو الرمة، قال بعر ظباء ونقط عروس.
قال [٨٤] الأصمعى: إنّ شعر ذى الرمة حلو أوّل ما نسمعه، فإذا اكثر إنشاده ضعف، ولم يكن له حسن؛ لأنّ أبعار الظباء أول ما تشم يوجد لها رائحة ما أكلت الظباء من الشيح والقيصوم والجثجاث والنبت الطيب الريح؛ فإذا أدمت شمّه ذهبت تلك الرائحة، ونقط العروس إذا غسلتها ذهبت.
قال: وقال أبو عمرو بن العلاء: قال جرير: لو خرس ذو الرمة بعد قصيدته «٧» :
ما بال عينك منها الماء ينسكب
كان أشعر الناس.
قال الأصمعى: وكان الكميت بن زيد معلما بالكوفة فلا يكون مثل أهل البدو، وكان ذو الرمة معلما بالبدو، وكان يحضر اليمامة والبصرة كثيرا، وكانا جميعا يستكرهان الشعر، وكان ذو الرمة أحسن حالا عند الأصمعى من الكميت.