للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودَ) لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ بِنِيَّةِ الْإِمَامِ (فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَمَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مُتَابِعًا.

(فَإِنْ سَهَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامَ وَلَا الْمُؤْتَمَّ السُّجُودُ)

الْمُخَافَتَةِ مِنْ خَصَائِصِهَا فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُخَافَتَةُ فَيَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ. رَوَى أَبُو مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُنْفَرِدِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافَتُ أَنَّ عَلَيْهِ السَّهْوَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُخَافَتَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِنَفْيِ الْمُغَالَطَةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي صَلَاةٍ تُؤَدِّي إلَى سَبِيلِ الشُّهْرَةِ، وَالْمُنْفَرِدُ لَمْ يُؤَدِّ كَذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ.

قَالَ (وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودَ) إذَا سَهَا الْإِمَامُ وَجَبَ السُّجُودُ لِلْمُؤْتَمِّ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلسُّجُودِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَهُوَ الْإِمَامُ تَقَرَّرَ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ أَيْضًا بِالْتِزَامِهِ الْمُتَابَعَةَ، فَإِنَّ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ وَالْإِقَامَةَ لَمَّا تَعَدَّتْ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَى صَلَاتِهِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ صَارَتْ صَلَاتُهُمْ أَرْبَعًا بِالْتِزَامِ الْمُتَابَعَةِ، فَكَذَلِكَ النُّقْصَانُ وَمَا يَجْبُرُهُ (فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَمَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مُتَابَعًا) وَبَيْنَ الْمُخَالَفَةِ وَالْمُتَابَعَةِ مُنَافَاةٌ، فَإِذَا تَحَقَّقَ أَحَدُ الْمُتَنَافِيَيْنِ انْتَفَى الْآخَرُ. وَاعْتُرِضَ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ بِمُخَالَفَاتٍ يَجُوزُ وُقُوعُهَا مِنْ الْمُؤْتَمِّ، كَمَا إذَا لَمْ يَرْفَعْ الْإِمَامُ يَدَهُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّ الْقَوْمَ تَرْفَعُ، وَإِذَا لَمْ يُثَنِّ الْإِمَامُ يُثَنِّي الْمَأْمُومُ، وَإِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ وَتَسْبِيحَهُ وَتَسْمِيعَهُ وَتَكْبِيرَةَ الِانْحِطَاطِ وَقِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ. وَبِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَيْسَتْ بِقَادِحَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَالْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَزِمَ بِشَيْءٍ بَاشَرَهُ الْإِمَامُ وَتَعَدَّى إلَى الْمُؤْتَمِّ، وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّهَا ثَبَتَتْ عَلَى الْمُقْتَدِي ابْتِدَاءً كَمَا ثَبَتَتْ عَلَى الْإِمَامِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ جَوَّزَتْ ضَرُورَةَ إتْمَامِ الْفَرْضِ فَلَا تَتَعَدَّى إلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ.

(فَإِنْ سَهَا الْمُؤْتَمُّ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا الْمُؤْتَمِّ السُّجُودُ)؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ لَيْسَتْ بِمَبْنِيَّةٍ عَلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ فَسَادًا وَلَا نُقْصَانًا، فَلَا يَجِبُ نُقْصَانُ صَلَاتِهِ بِنُقْصَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ. وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْإِمَامِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ فَإِمَّا أَنْ يَسْجُدَ وَحْدَهُ وَفِيهِ مُخَالَفَةُ إمَامِهِ فِيمَا لَيْسَ مِنْ إتْمَامِ الْفَرْضِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَإِمَّا أَنْ يَسْجُدَ مَعَهُ إمَامُهُ وَفِيهِ قَلْبُ الْمَوْضِعِ.

فَإِنْ قُلْت:

<<  <  ج: ص:  >  >>