فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ الرِّبَا.
وَلَنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيَّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ كَالثَّوْبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَطْلُوبَةَ إنَّمَا هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَيَتَرَتَّبُ ذَلِكَ عَلَى التَّعْيِينِ، بِخِلَافِ الصَّرْفِ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ لِيَتَعَيَّنَ بِهِ؛ وَمَعْنَى قَوْلِهِ ﵊ «يَدًا بِيَدٍ» عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَكَذَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ﵁، وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ لَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتًا فِي الْمَالِ عُرْفًا، بِخِلَافِ النَّقْدِ وَالْمُؤَجَّلِ.
التَّعْيِينَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ (وَقَوْلُهُ: عَيْنًا بِعَيْنٍ) مُحْكَمٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْمُحْكَمِ، وَلَا يُقَالُ لَزِمَكُمْ الْعَمَلُ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ أَوْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ لِأَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ يَدًا بِيَدٍ بِمَعْنَى الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ وَبِمَعْنَى الْعَيْنِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ جَعَلْنَاهُ فِي الصَّرْفِ بِمَعْنَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْعَيْنِ فِي الْمَحَالِّ كُلِّهَا، لَكِنَّ تَعْيِينَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ. وَنُوقِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَعْنَى التَّعْيِينِ لَمَا شُرِطَ الْقَبْضُ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ بِيعَ بِإِنَاءٍ مِثْلِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعْيِينُ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّ الْإِنَاءَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَكُمْ لَكِنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ تَعَيَّنَ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ ثَمَنًا خِلْقَةً كَانَ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ التَّعْيِينِ، وَالشُّبْهَةُ فِي الرِّبَا كَالْحَقِيقَةِ فَاشْتُرِطَ الْقَبْضُ دَفْعًا لَهَا.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى طَرِيقَتِكُمْ فِي أَنَّ الْأَثْمَانَ لَا تَتَعَيَّنُ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَيْسَ بِقَائِلٍ بِهِ فَلَا يَكُونُ مُلْزِمًا.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ الْمُبَادِي هَاهُنَا لِثُبُوتِهِ بِالدَّلَائِلِ الْمُلْزِمَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (قَوْلُهُ: وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ. وَوَجَّهَهُ الْمَانِعُ تَعَاقُبٌ يُعَدُّ تَفَاوُتًا فِي الْمَالِيَّةِ عُرْفًا كَمَا فِي النَّقْدِ وَالْمُؤَجَّلِ، وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التُّجَّارَ لَا يَفْصِلُونَ فِي الْمَالِيَّةِ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَالًّا مُعَيَّنًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute