وَالْمَدُّ وَالْقَصْرُ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالتَّشْدِيدُ فِيهِ خَطَأٌ فَاحِشٌ.
قَالَ (ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَيُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ ﵊ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» (وَيَحْذِفُ التَّكْبِيرَ حَذْفًا)
أَوْ غَيْرِهِ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى سُنِّيَّةِ الْجَهْرِ بِالتَّأْمِينِ فِي الْجَهْرِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» فَإِنَّهُ عَلَّقَ تَأْمِينَ الْقَوْمِ بِتَأْمِينِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ تَأْمِينِهِ مَسْمُوعًا لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ يُعْرَفُ إذَا فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ ﴿وَلا الضَّالِّينَ﴾ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَأْمِينُهُ مَسْمُوعًا (وَالْمَدُّ وَالْقَصْرُ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالتَّشْدِيدُ فِيهِ خَطَأٌ فَاحِشٌ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: تَفْسُدُ بِهِ صَلَاتُهُ، وَقِيلَ عِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾.
قَالَ (ثُمَّ يُكَبِّرُ) الْمُصَلِّي (وَيَرْكَعُ) بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ فِي مَحْضِ الْقِيَامِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا. وَمِنْ دَأْبِ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنْ يُصَرِّحَ بِلَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا وَقَعَ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ بَيْنَ رِوَايَتِهِ وَرِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ، فَذَكَرَ قَوْلَهُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مُقَارَنَةَ التَّكْبِيرِ بِالرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ مَعَ مُحْكَمٌ فِي الْمُقَارَنَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضٌ آخَرُ.
وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ «النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» دَلِيلُ قَوْلِهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ، وَالْمُرَادُ بِالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ ابْتِدَاءُ كُلِّ رُكْنٍ وَانْتِهَاؤُهُ، وَمَعْنَاهُ: اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُؤَدَّى حَقُّهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْعِبَادَةِ. لَا يُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يُفْعَلُ عِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ تَسْمِيعِ الْإِمَامِ وَتَحْمِيدِ الْمُقْتَدِي لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ ﷺ؛ لِأَنَّ هَذَا حِكَايَةُ فِعْلِهِ ﵊ مِنْ الرَّاوِي، فَلَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ ﷺ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» فَيُحْمَلُ قَوْلُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ وَرَفَعَ بَعْضَهُ لِاحْتِمَالِهِ وَلِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لَمْ تُبَاشِرْهُ فَإِنْ قِيلَ: فَمَاذَا تَفْعَلُ بِمَا رَوَى بَنُو أُمَيَّةَ وَعَمِلُوا بِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَا كَبَّرَ حَالَ الرُّكُوعِ وَإِنَّمَا كَبَّرَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ». أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ رَجَّحْنَا مَا رَوَيْنَا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ مَتْنًا وَأَتْقَنُ رِوَايَةً؛ لِأَنَّ رُوَاتَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَمَا رَوَاهُ فَرِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ﷺ كَبَّرَ إلَّا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ وَسَمِعَ غَيْرُهُ وَهُوَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ: وَحْدَهُ فِيهِ حُجَّةً.
وَقَوْلُهُ: (وَيُحْذَفُ التَّكْبِيرُ حَذْفًا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute