للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ مَنْ انْتَحَلَ إلَى نِحْلَةٍ لَا سِيَّمَا مُعْرِضًا عَمَّا نَشَأَ عَلَيْهِ قَلَّمَا يَتْرُكُهُ فَيُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا، بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَوَقُّفِ الْمِلْكِ وَتَوَقُّفُ التَّصَرُّفَاتِ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَصَارَ كَالْحَرْبِيِّ يَدْخُلُ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ فَيُؤْخَذُ وَيُقْهَرُ وَتَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ؛ لِتَوَقُّفِ حَالِهِ، فَكَذَا الْمُرْتَدُّ، وَاسْتِحْقَاقُهُ الْقَتْلَ لِبُطْلَانِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ فَأَوْجَبَ خَلَلًا فِي الْأَهْلِيَّةِ، بِخِلَافِ الزَّانِي وَقَاتِلِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِي ذَلِكَ جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ.

وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَوَقُّفِ الْمِلْكِ) إشَارَةٌ إلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَهُ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا (وَتَوَقُّفِ التَّصَرُّفَاتِ بِنَاءً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى تَوَقُّفِ الْمِلْكِ. وَقَوْلُهُ (لِتَوَقُّفِ حَالِهِ) أَيْ حَالِ الْحَرْبِيِّ بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَالْقَتْلِ وَالْمَنِّ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْمُرْتَدُّ) يَعْنِي: حَالُهُ يَتَوَقَّفُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْإِسْلَامِ، ثُمَّ هُنَاكَ إنْ اُسْتُرِقَّ أَوْ قُتِلَ بَطَلَ وَإِنْ تُرِكَ نَفَذَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحَرْبِيَّ الَّذِي دَخَلَ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ يَكُونُ فَيْئًا فَكَيْفَ تَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ، وَالِاعْتِرَافُ بِجَوَازِ الْمَنِّ يُسْقِطُ الِاعْتِرَاضَ. وَقَوْلُهُ (وَاسْتِحْقَاقُهُ الْقَتْلَ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ. وَتَقْرِيرُهُ: لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْأَهْلِيَّةِ لِأَنَّ الصِّحَّةَ تَقْتَضِي أَهْلِيَّةً كَامِلَةً وَلَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْمُرْتَدِّ، كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْحَرْبِيِّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ لِبُطْلَانِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ آدَمِيًّا مُسْلِمًا وَذَلِكَ يُوجِبُ الْخَلَلَ فِي الْأَهْلِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (فِي الْفَصْلَيْنِ) يُرِيدُ بِهِ فَصْلَ الْحَرْبِيِّ وَفَصْلَ الْمُرْتَدِّ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْقَتْلِ مُوجِبًا لِخَلَلٍ فِي الْأَهْلِيَّةِ مُؤَثِّرًا فِي تَوَقُّفِ التَّصَرُّفَاتِ لَكَانَ تَصَرُّفَاتُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الرَّجْمَ وَقَاتِلِ الْعَمْدِ مَوْقُوفَةً لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْقَتْلَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِي ذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ الْمُوجِبَ لِلْخَلَلِ وَهُوَ مَا كَانَ بِاعْتِبَارِ بُطْلَانِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ، وَالزَّانِي وَالْقَاتِلُ لَيْسَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِيهِمَا (جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ) وَقَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>