قال في البحر: وهذا ما قطع به ابن كج، في كتابه، قال: لأن دلائل الله - سبحانه وتعالى - لا تتعارض، فوجب أن يستدل بتعارضها على وهائها جميعا، أو وهاء أحدها، غير أنا لا نعرفه، فأسقطناها جميعا، وكلامه يشعر بتفريعه على القول بمنع التعادل، ونقله إلكيا عن القاضي - رحمهما الله سبحانه وتعالى - والأستاذ أبو منصور - رحمه الله سبحانه وتعالى - عن أهل الظاهر بالنسبة إلى الحديثين اهـ
وقيل: إن وقع بالنسبة إلى الواجبات فالتخيير، لأنه قد يخير فيها، كما في زكاة مائتي الإبل، وإن وقع بالنسبة إلى غيرها كالإباحة والتحريم، فالتساقط، والرجوع إلى البراءة الأصلية.
وإلى هذا أشار الشيخ - رحمه الله سبحانه وتعالى - بقوله: وفيه تفصيل حكاه الضابط، ومراده بالضابط: التاج السبكي - رحمه الله سبحانه وتعالى - فقد ذكره في جمع الجوامع، وفي المسألة أقوال غير ما ذكر، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
قال الزركشي - رحمه الله سبحانه وتعالى - في البحر: إذا تخير، فللناظر ثلاثة أحوال، فإن كان مجتهدا، تخير في إلحاقه بما شاء، إن قلنا: كل مجتهد مصيب، فإن قلنا: الحق في واحد امتنع التخيير، قاله القاضي - رحمه الله سبحانه وتعالى - في التقريب.
وإن كان مفتيا فقال القاضي - رحمه الله سبحانه وتعالى -: قالت المصوبة لا يجوز له تخيير المستفتي، بل يجزم بمقتضى أحدهما، وقيل: يجوز، وهو الأولى عندنا، وبه أجاب في المحصول.
واستشكل الهندي - رحمه الله سبحانه وتعالى - الجزم بأحدهما، وقال: ليس في التخيير الأخذ بأي الحكمين شاء، واختار رأيا ثالثا، وهو أن المفتي بالخيار بين أن يجزم له الفتيا، وبين أن يخيره، إذ ليس في كل واحد منهما مخالفة دليل، ولا فساد، فيسوغ الأمران.
وإن كان حاكما فقال القاضي - رحمه الله سبحانه وتعالى -: أجمع الكل - يعني المصوبة والمخطئة - أنه ليس له تخيير المتحاكمين في الحكم بأيهما شاء، بل عليه بت الحكم باعتقاده، لأنه نصب لقطع الخصومات، ولو خيرهما لما انقطعت خصومتهما، لأن كل واحد منهما يختار الذي هو أرفق له، بخلاف حال المفتي اهـ