للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: انتفاء الدليل السمعي قد يعلم، وقد يظن، فإنا نعلم أنه لا دليل على وجوب صوم شوال، ولا على وجوب صلاة سادسة، إذ نعلم أنه لو كان لنقل وانتشر، ولما خفي على جميع الأمة، وهذا علم بعدم الدليل، وليس هو عدم العلم بالدليل، فإن عدم العلم بالدليل ليس بحجة، والعلم بعدم الدليل حجة.

أما الظن فالمجتهد إذا بحث عن مدارك الأدلة في وجوب الوتر، والأضحية، وأمثالهما، فرآها ضعيفة، ولم يظهر له دليل، مع شدة بحثه، وعنايته بالبحث، غلب على ظنه انتفاء الدليل، فنزل ذلك منزلة العلم في حق العمل، لأنه ظن استند إلى بحث واجتهاد، وهو غاية الواجب على المجتهد.

فإن قيل: ولم يستحيل أن يكون واجبا ولا يكون عليه دليل؟

أو يكون عليه دليل لم يبلغنا؟

قلنا: أما إيجاب ما لا دليل عليه، فمحال، لأنه تكليف بما لا يطاق، ولذلك نفينا الأحكام قبل ورود السمع.

وأما إن كان عليه دليل ولم يبلغنا، فليس دليلا في حقنا، إذ لا تكليف علينا إلا في ما بلغنا.

فإن قيل: فيقدر كل عامي أن ينفي، مستندا إلى أنه لم يبلغه الدليل.

قلنا: هذا إنما يجوز للباحث المجتهد المطلع على مدارك الأدلة، القادر على الاستقصاء، كالذي يقدر على التردد فى بيته لطلب متاع، إذا فتش وبالغ أمكنه أن يقطع بنفي المتاع، أو يدعي غلبة الظن.

أما الأعمى الذي لا يعرف البيت، ولا يبصر ما فيه، فليس له أن يدعي نفي المتاع من البيت اهـ

فلعل المراد بمسألة البيت: أن احتجاج أحد المتناظرين، بعدم وجدان الدليل، لا ينهض حجة على خصمه، فهو دعوى دليل، لا دليل، كقوله: وجد المقتضي، أو المانع، أو فقد الشرط، فهي دعاو لا أدلة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وأما ما قيل من أن انتفاء المدرك دليل بنفسه هنا، جزء من الدليل في الاستصحاب،

<<  <  ج: ص:  >  >>