هذه المسألة، مقابلة للمسألة السابقة، وهي أن تتحد العلة، ويتعدد المعلول، فيكون أحكاما مختلفة، وفيها خلاف على أن العلة بمعنى الباعث، والأكثرون على الجواز، وأما على أنها بمعنى الأمارة، فيجوز اتفاقا.
قال ابن الحاجب - رحمه الله سبحانه وتعالى -: والمختار جواز تعليل حكمين بعلة، بمعنى الباعث، وأما الأمارة فاتفاق اهـ
ومثال ذلك في الإثبات: طلوع فجر رمضان، فهو أمارة لوجوب الإمساك، والصلاة، ومثاله في النفي: الحيض، فهو أمارة لمنع الصلاة، والصوم، والطواف، ومس المصحف، والوطء، والطلاق.
وقيل: لا يجوز ذلك مطلقا، بناء على اشتراط المناسبة فيها، لأن مناسبتها لحكم تحصل المقصود منها بترتيب الحكم عليها، فلو ناسبت آخر لزم تحصيل الحاصل.
وأجيب بمنع ذلك، لجواز تعدد المقصود، كما في السرقة، المترتب عليها القطع، زجرا عنها، والغرم جبرا لما تلف من المال.
وقيل: يجوز إن لم يكن بينهما تضاد، لأن الشيء الواحد لا يناسب المتضادين. وأجيب بمنع ذلك، لجواز تعدد الجهات فيهما، فعلية الوصف الواحد لحكمين، إنما يجوز بشرطين متضادين، كالجسم يكون علة للسكون، بشرط البقاء في الحيز، وعلة للحركة بشرط الانتقال عنه.
وقد تخصص وقد تعمم … لأصلها لكنها لا تخرم
من شروط العلة أن لا تعود على أصلها بالإبطال، لأنه منشؤها، فإبطالها له، إبطال لها، فلو صححناها لزم اجتماع النقيضين.
ومثلوا لذلك بتعليل الحنفية، وجوب الشاة في الزكاة، بدفع حاجة الفقير، المقتضي جواز إخراج قيمتها، المفضي إلى عدم وجوبها على التعيين.
وهذا هو المراد بقوله ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: لكنها لا تخرم.
واختلف في عودها عليه بالتخصيص هل يجوز أو لا على قولين؟