وهذا هو المراد بقوله - رحمه الله سبحانه وتعالى -: لكن رجحا إلخ.
والنقل للحديث بالمعنى منع … ومالك عنه الجواز قد سمع
اختلف في جواز رواية الحديث بالمعنى، فذهب الأكثر، ومنهم الإمام مالك ـ رحمه الله سبحانه وتعالى، في إحدى الروايتين عنه ـ والأئمة الثلاثة، إلى جوازه، لأن المقصود المعنى، لنا: القطع بأنهم نقلوا عنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - أحاديث في وقائع متحدة، بألفاظ مختلفة، شائعة ذائعة، ولم ينكره أحد اهـ
وأنا نعلم بالضرورة ـ كما قال الإمام رحمه الله سبحانه وتعالى ـ أن الصحابة الذين رووا هذه الأخبار عن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ ما كانوا يكتبونها في ذلك المجلس، ولا يكررون عليها فيه، بل كما سمعوها تركوها، وما رووها إلا بعد الأعصار والسنين، وذلك يحصل القطع بتعذر روايتها على تلك الألفاظ اهـ
وذهب جماعة من المحدثين، والفقهاء، والأصوليين، إلى المنع من ذلك مطلقا، مخافة التغيير.
وقال الماوردي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: يجوز إن نسي اللفظ لا إن ذكره.
وقيل: يجوز بلفظ مرادف، مع بقاء التركيب.
وقال ابن العربي - رحمه الله سبحانه وتعالى -: يجوز للصحابة دون غيرهم، لما عندهم من الفصاحة والبلاغة جبلة، ومشاهدتهم أقوال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأفعاله، فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة، واستيفاء المقصود كله اهـ
قال: ولو جوزنا لكل أحد، لما كنا على ثقة من الأخذ بالحديث.
وفيه أن جوازه ليس مطلقا، فلا خلاف في المنع لمن ليس عارفا بمدلولات الألفاظ، لا تخفى عليه مقادير التفاوت بينها.
كما أشار إليه الشيخ - رحمه الله سبحانه وتعالى - بقوله:
لعارف بفهم معناه جزم … وغالب الظن لدى البعض انحتم
والمعنى أن الخلاف في جواز الرواية بالمعنى، محله العارف بمدلولات الألفاظ، البصير بموجبات اختلاف مضامينها.