معناه أن الإباحة والجواز يستعملان أيضا في ما يقابل التحريم، وهو الإذن في الفعل، سواء كان مع استواء الترك والفعل، الذي هو المباح في الاصطلاح السابق، أو مع راجحية الفعل، الذي هو الواجب والندب في ما سبق، أو مع راجحية الترك، الذي هو المكروه في ما سبق، وهذا هو اصطلاح المتقدمين.
والعلم والوسع على المعروف … شرط يعم كل ذي تكليف
معناه أن الخطاب التكليفي يشترط في توجهه إلى المكلف، العلم والقدرة، وهي المراد بالوسع في البيت، قال سبحانه وتعالى جل من قائل:(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وفي الحديث " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "(١) وسيأتي الكلام ـ إن شاء الله سبحانه وتعالى ـ في مباحث الأمر على تفاصيل التكليف بالمحال.
وأما خطاب الوضع، فما كان منه مرتبا على خطاب التكليف، اشترط ذلك فيه أيضا، كأسباب الحدود، فهي مرتبة على انتهاك الحرمة، والحرمة مشروطة بالعلم والوسع، والخلاف في حد المكره على الزنى، عائد إلى الخلاف في تصور الجماع كرها، إذ لا يكون دون انتشار، والانتشار يستلزم عند قوم الاختيار.
وأما ما ليس منه مرتبا على خطاب التكليف، كضمان المتلفات، فلا يتوقف على ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم خطاب الوضع هو الوارد … بأن هذا مانع أو فاسد
أو ضده أوَ اَنه قدَ اَوجبا … شرطا يكون أو يكون سببا
معناه أن خطاب الوضع، هو الخطاب الوارد بأن الشيء كذا سبب للشيء كذا، أو شرط له، أو مانع منه، أو بأن العقد كذا، أو العمل كذا، صحيح، أو فاسد، وسيأتي بيان هذه المعاني الخمسة، قريبا إن شاء الله سبحانه وتعالى.
واختار ابن الحاجب ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ أن الصحة والفساد حكمان عقليان،
(١) رواه بألفاظ متقاربة ابن ماجة في سننه، وابن حبان في صحيحه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، والدارقطني والبيهقي والطبراني وهو حديث صحيح.