للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اقتضاه من غير جزم، بحيث لا يأثم بالإقدام، فهو كراهة، ويسمى متعلقه مكروها.

ومنهم من فرق، فسمى متعلقه مكروها في ما كان النهي فيه منصوصا، وخلاف الاولى إذا كان النهي عنه مستفادا من الأمر بضده.

فخلاف الأولى عند من يصطلح عليه، وصف لمتعلق الخطاب، كما هو بين، والتعبير بما يوهم خلاف ذلك سهو، كما نقل العطار في حاشيته التنبيه عليه.

ولم أر نقلا في التفريق في المندوب بين المامور به نصا، وما فهم الأمر به من النهي عن ضده، وكذلك في الواجب والمحرم.

وأما ما دل الخطاب على استواء فعله وتركه، بأن لم يترتب على أحدهما ثواب ولا عقاب، فهو الإباحة، ويسمى متعلقه مباحا، وينقلب بنية الخير به، من تقو على طاعة، أو ترفق، أو كف شهوة، أو نحو ذلك، مأمورا، كما في حديث الصحيح المتقدم: أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر (١).

ويستعمل السلف لفظ: الكراهة، كثيرا في الحرمة، إذا لم يكن دليل التحريم قطعيا.

وقد يستعملون في ذلك لفظ: لا يعجبني، ولا أحبه، ولا خير فيه.

ونقل سيدي زروق ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ عن الطراز، أنه قال في قول المدونة: ومن صلى محتزما، أو جمع شعره بوقاية، أو شمر كميه، فإن كان ذلك لباسه، أو كان في عمل حتى حضرت الصلاة، فلا بأس به، وإن تعمد بذلك إكفات ثوبه، أو شعره، فلا خير فيه انتهى ما نصه: كل موضع في المدونة من قوله " لا خير فيه "على المنع إلا هذا.

وانظر هذا، مع قول القاضي أبي الوليد ابن رشد ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ في البيان والتحصيل، في الكلام على مسألة شراء العظام التي بها تصوير (٢): قوله: لا خير في الصور، ولا هذا من تجارة الناس … يدل على أنه كره ذلك، ولم يحرمه، لأن ما هو حرام لا يحل،


(١) رواه مسلم.
(٢) نص المسألة: وسئل مالك ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ عن التجارة في عظام على قدر الشبر، يجعل لها وجوه؟ فقال: الذي يشتريها ما يصنع بها؟ فقيل: يبيعها، فقيل: ما يصنع بها؟ قال: يلعب بها الجواري، يتخذونها بنات، قال: لا خير في الصور، ولا هذا من تجارة الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>