ولو توقفت حجية ألفاظ الشرع على نصوصيتها وقطعيتها في معناها، لتعطل أكثر الأحكام، وهو بين الفساد والبطلان، فمجرد الراجحية كاف.
واستدل القرافي كذلك، بما تقدم ذكره في معنى " كل " إذا تقدم عليها النفي، من اقتضائها سلب العموم، وجوابه ما سبق هناك عن الزركشي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ.
قال ابن عاشور ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: والجواب أن كلا نكرة تدل على معنى الكلية، فإذا نفيت انتفى ذلك المعنى كله على وجه العموم، فإذا قلت: ما كل عدد زوج، فإنما نفيت الزوجية عن العدد بوصف الكلية، فبقيت بعضيته لم تتعرض لها، لأن النفي وإن كان يتوجه إلى المحمول، إلا أن كلا تشبة المحمول، لما فيها من الحكم، فكأن المحمول معها تنوسي، وصارت هي المقصود، ولذلك إذا قلت: ما كل بيضاء درة، فهم أن بعض البيضاء درة، لأن النفي توجه لكل، وهذا حكمها حيث ما وقعت في حيز النفي، فالذي لم يعم في قولهم: ما كل عدد زوج، هو عدد، وليس هو الواقع في حيز النفي، لأنه جيء به لتخصيص كل، وبيان نوعها، بل الواقع في حيز النفي هو كل، وقد رأيت أنها منفية على وجه العموم، أما لو وقعت قبل النفي، فتعتبر هي داخلة عليه، وحاكمة بعمومه اهـ
وكما تعم النكرة في النفي، تعم كذلك في النهي، والاستفهام الإنكاري، كقوله سبحانه وتعالى جل من قائل:(هل من خالق غير الله) والشرط كقوله سبحانه وتعالى جل من قائل: (من يعمل سوءا يجز به) والامتنان، ونص في البرهان أنها في الشرط نص كالمنفية مع زيادة من.
وهْو مفاد الوضع لا اللزوم
بالقصد خصص التزاما قد أبى … تخصيصه إياه بعض النجبا
قوله: وهو مفاد الوضع لا اللزوم، أشار به إلى الاختلاف في دلالة النكرة المنفية على العموم، هل هي بوضع اللفظ أو بالالتزام؟
وذلك أنها موضوعة وضعا نوعيا لعموم النفي عن الأفراد، بقرينة العقل، لأنها إما أن تجرد عن الوحدة لتأكيد العموم، فيبقى الجنس المطلق، ولا ينتفي إلا بانتفاء جميع الأفراد، وإما أن لا تجرد بل تبقى الوحدة، لكنها مبهمة، وانتفاء فرد مبهم لا يكون إلا بانتفاء جميع