للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النصيب إلا أنه غلب في الشر وندر في غيره كقوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَّحْمَتِهِ} (١) فلذا خص بالسيئة تطرية وهرباً من التكرار» (٢).

بعرض رأي الإمامين يتضح أن الإمام الرازي ذكر أن الكفل هو اسم للنصيب الذي عليه يكون اعتماد الناس وبنى توجيهه على ذلك، بينما حمل الإمام الألوسي توجيه المتشابه على التفنن، وذكر آراء أخرى تعتمد على معنى الكفل غير المعنى الذي ذكره الإمام الرازي، وقد انفرد الإمامان بتوجيه هذه المسألة عن علماء المتشابه اللفظي.

قال الإمام البقاعي: «وعظم الشفاعة السيئة؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصلح، فقال- معبرا بما يفهم النصيب ويفهم أكثر منه تغليظا في الزجر: {يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} (٣) وهذا بيان لأن الشفاعة فيهم سيئة إن تحقق إجرامهم، حسنة إن علمت توبتهم وإسلامهم.

ولما كان كل من تحريض المؤمنين على الجهاد والشفاعة الحسنة من وادي «من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» (٤) حسن اقترانهما جدا، والنصيب قدر متميز من الشيء يخص من هو له، وكذا الكفل إلا أن الاستعمال يدل على أنه أعظم من النصيب، ويؤيده ما قالوا من أنه قد يراد به الضعف، فكأنه نصيب متكفل بما هو له من إسعاد وإبعاد؛ قال أهل اللغة: النصيب: الحظ، والكفر- بالكسر: الضعف والنصيب والحظ، ومادة «نصب» يدور على العلم المنصوب، ويلزمه الرفع والوضع والتمييز والأصل والمرجع والتعب، فيلزمه الوجع، ومن لوازمه أيضا الحد والغاية والجد الوقوف؛ ومادة «كفل» تدور على الكفل- بالتحريك وهو العجز أو ردفه، ويلزمه الصحابة واللين والرفق والتأخر؛ وقال الإمام: الكفل هو النصيب الذي عليه يعتمد الإنسان في تحصيل المصالح لنفسه ودفع المفاسد عن نفسه، والمقصود هنا حصول ضد ذلك كقوله: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (٥) والغرض منه التنبيه على أن


(١) سورة الحديد، الآية: (٢٨).
(٢) روح المعاني، (٣/ ٩٤).
(٣) سورة النساء، الآية: (٨٥).
(٤) رواه مسلم في «صحيحه»، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة (٤/ ٢٠٥٩)، حديث رقم: (١٠١٧) من حديث بصرة من ورق.
(٥) سورة آل عمران، الآية: (٢١)، وسورة التوبة، الآية: (٣٤)، وسورة الانشقاق، الآية: (٢٤).

<<  <   >  >>