للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الآية يقتضي وجوب هذه المتعة لكل المطلقات، فمن الناس من تمسك بظاهر هذه الآية وأوجب المتعة لجميع المطلقات، وهو قول سعيد بن جبير وأبي العالية والزهري قال الشافعي رحمه الله تعالى: لكل مطلقة إلا المطلقة التي فرض لها مهر ولم يوجد في حقها المسيس، وهذه المسألة قد ذكرناها في تفسير قوله تعالى: {وَمَتّعُوهُنَّ عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدْرُهُ} (١).

فإن قيل: لم أعيد هاهنا ذكر المتعة مع أن ذكرها قد تقدم في قوله: {وَمَتّعُوهُنَّ عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدْرُهُ}. قلنا: هناك ذكر حكماً خاصاً، وهاهنا ذكر حكماً عاماً.

والقول الثاني: أن المراد بهذه المتعة النفقة، والنفقة قد تسمى متاعاً وإذا حملنا هذا المتاع على النفقة اندفع التكرار فكان ذلك أولى، وهاهنا آخر الآيات الدالة على الأحكام، والله أعلم» (٢).

وقال الإمام الألوسي: «{وللمطلقات} سواء كن مدخولاً بهن أولا {متاع} أي مطلق المتعة الشاملة للواجبة والمستحبة وأوجبها سعيد بن جبير وأبو العالية والزهري للكل، وقيل: المراد بالمتاع نفقة العدة، ويجوز أن يكون اللام للعهد أي المطلقات المذكورات في الآية السابقة وهن غير الممسوسات وغير المفروض لهن، والتكرير للتأكيد والتصريح بما هو أظهر في الوجوب وهذا هو الأوفق بمذهبنا، ويؤيده ما أخرجه ابن جرير عن ابن زيد قال: لما نزل قوله تعالى: {متاعا بالمعروف حَقّا عَلَى المحسنين} (٣) قال رجل: إن أحسنت فعلت وإن لم أرد ذلك لم أفعل فأنزل الله تعالى هذه الآية فلا حاجة حينئذ إلى القول بأن تلك الآية مخصصة بمفهومها منطوق هذه الآية المعممة على مذهب من يرى ذلك ولا إلى القول بنسخ هذه كما ذهب إليه ابن المسيب وهو أحد قولي الإمامية» (٤).

بعرض رأي الإمامين يتضح أن الإمام الرازي عرض قولين الأول: وهو وجوب المتعة لجميع المطلقات، والثاني: أن المقصود بالمتعة النفقة، ورجح الثاني وقال إن تكرار الآية يندفع به، بينما حمل الإمام الألوسي تكرار الآية على القول الأول وهو وجوب المتعة، وقد انفرد الإمامان بتوجيه هذه المسألة عن علماء المتشابه اللفظي.


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٣٦).
(٢) التفسير الكبير، (٦/ ١٧٣).
(٣) سورة البقرة، الآية: (٢٣٦).
(٤) روح المعاني، (١/ ٥٥٢).

<<  <   >  >>