٨٠ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَوْرَتَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ) . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ ذِكْرِ اللَّهِ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا كَرَدِّ السَّلَامِ، وَلَا يُسْتَحَقُّ الْمُسْلِمُ فِي تِلْكَ الْحَالِ جَوَابًا قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام عَلَى الْحَدِيث فِي بَابِ اسْتِحْبَابِ الطَّهَارَةِ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنْ يَدَعَ الرَّدّ حَتَّى يَتَوَضَّأ أَوْ يَتَيَمَّمَ ثُمَّ يَرُدّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الْمُسَلِّمِ، أَمَّا إذَا خَشِيَ فَوْته فَالْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدّ بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأَ أَوْ تَيَمَّمَ عَلَى اخْتِلَاف الرِّوَايَة، فَيُمْكِن أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ لِذَلِكَ طَلَبًا لِلْأَشْرَفِ وَهُوَ الرَّدُّ حَالَ الطَّهَارَةِ، وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي الْحَمْدِ حَالَ الْعُطَاسِ فَالْقِيَاسُ عَلَى التَّسْلِيمِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيث الْبَابِ، وَكَذَلِكَ التَّعْلِيلُ بِكَرَاهَةِ الذِّكْرِ إلَّا عَلَى طُهْرٍ يُشْعِرَانِ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَظَاهِر حَدِيث: «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ» يُشْعِرُ بِشَرْعِيَّتِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي مِنْهَا وَقْتُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَهَلْ يُخَصَّصُ عُمُومُ كَرَاهَةِ الذِّكْرِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْمَقَامِ بِحَدِيثِ الْعُطَاسِ أَوْ يُجْعَلُ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ أَوْ يَكُونُ بَيْنهمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْه فَيَتَعَارَضَا؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَحْمَدُ بِقَلْبِهِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِتَشْرِيفِ مِثْل هَذَا الذِّكْرِ وَتَعْظِيمِهِ وَتَنْزِيهِهِ
٨٠ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَوْرَتَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ) . الْحَدِيث فِيهِ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْعِجْلِيّ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحه، وَضَعَّفَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ حَدِيثَ عِكْرِمَةَ هَذَا عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير وَلَكِنَّهُ لَا وَجْه لِلتَّضْعِيفِ بِهَذَا، فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمً حَدِيثَهُ عَنْ يَحْيَى، وَاسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى أَيْضًا، وَفِي التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب أَنَّ فِي إسْنَاده عِيَاضَ بْنَ هِلَالٍ أَوْ هِلَالَ بْنَ عِيَاضٍ وَهُوَ فِي عِدَادِ الْمَجْهُولِينَ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ السَّكَنِ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ الْقَطَّانِ مِنْ حَدِيث جَابِر بِلَفْظِ «إذَا تَغَوَّطَ الرَّجُلَانِ فَلْيَتَوَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَتَحَدَّثَا» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ مَعْلُولٌ.
وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَتَرْكِ الْكَلَامِ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ بِمَقْتِ اللَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْفِعْلِ الْمُعَلَّلِ وَوُجُوبِ اجْتِنَابه؛ لِأَنَّ الْمَقْتَ هُوَ الْبُغْضُ كَمَا فِي الْقَامُوس، وَرُوِيَ أَنَّهُ أَشَدَّ الْبُغْضِ، وَقِيلَ: إنَّ الْكَلَامَ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَكْرُوهٌ فَقَطْ، وَالْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ إلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ غَيْرُ مُحَرَّمً فِي هَذِهِ الْحَالَة، ذَكَره الْإِمَام الْمَهْدِيُّ فِي الْغَيْث، فَإِنْ صَلَحَ الْإِجْمَاعُ صَلَحَ لِلصَّرْفِ عِنْد الْقَائِل بِحُجِّيَّتِهِ وَلَكِنَّهُ يُبْعِد حَمْل النَّهْي عَلَى الْكَرَاهَةِ رَبَطَهُ بِتِلْكَ الْعِلَّة.
قَوْلُهُ: (يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ) يُقَال: ضَرَبْتُ الْأَرْضَ إذَا أَتَيْتَ الْخَلَاءَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute