. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
فَرَجَعَ إلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ مُرْسَلًا فَالْحَنَفِيُّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمُتَقَدِّمُ، قَالَهُ الْحَاكِمُ. وَقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ تَصْحِيفٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ. وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ «مَنْ جَعَلَ عَلَيْهِ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَغَالِبٌ مَتْرُوكٌ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْنَادُهَا حَسَنٌ فِيهَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد مَوْقُوفًا: يَعْنِي وَهُوَ أَصَحُّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: حَدِيثُ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ الْحَافِظُ: قُلْتُ: قَدْ صَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ فَأَيْنَ الِاتِّفَاقُ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ كُرَيْبٌ عَنْهُ وَلَفْظُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ» وَسَيَأْتِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَّ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِي إسْنَادِ ابْنِ مَاجَهْ مَنْ لَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ " مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ " قَوْلُهُ: (أَبُو إسْرَائِيلَ) قَالَ الْخَطِيبُ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي كُنْيَتِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ، فَقِيلَ قُشَيْرٌ بِقَافٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مُصَغَّرًا. وَقِيلَ بُسَيْرٌ بِمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا.
وَقِيلَ قَيْصَرُ بِاسْمِ مَلِكِ الرُّومِ. وَقِيلَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلُ الصَّادِ. وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ مِنْ الصَّحَابَةِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَتَأَذَّى بِهِ الْإِنْسَانُ مِمَّا لَمْ يَرِد بِمَشْرُوعِيَّتِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ كَالْمَشْيِ حَافِيًا وَالْجُلُوسِ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِهِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا إسْرَائِيلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي قِصَّةِ أَبِي إسْرَائِيلَ هَذَا أَعْظَمُ حُجَّةً لِلْجُمْهُورِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً أَوْ مَا لَا طَاعَةَ فِيهِ
قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ قَوْلُهُ: «لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ بِمَا لَا يَمْلِكُ لَا يُنَفَّذُ نَذْرَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ بِمَعْصِيَةٍ كَمَا فِي بَقِيَّةِ أَحَادِيثِ الْبَابِ. وَاخْتُلِفَ فِي النَّذْرِ بِمَعْصِيَةٍ هَلْ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا. وَعَنْ أَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ نَعَمْ
وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ النَّذْرِ فِي الْمَعْصِيَةِ.
وَاخْتِلَافُهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ لِمَا سَبَقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute