«وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِمْ، قَالَ: فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَةَ حَائِطِي وَيُحَلِّلُوا أَبِي، فَأَبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَائِطِي وَقَالَ: سَنَغْدُو عَلَيْكَ، فَغَدَا عَلَيْنَا حِينَ أَصْبَحَ، فَطَافَ فِي النَّخْلِ وَدَعَا فِي ثَمَرِهَا بِالْبَرَكَةِ، فَجَدَدْتُهَا فَقَضَيْتُهُمْ وَبَقِيَ لَنَا مِنْ ثَمَرِهَا» وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَاسْتَنْظَرَهُ جَابِرٌ فَأَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ، فَكَلَّمَ جَابِرٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَشْفَعَ لَهُ إلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَلَّمَ الْيَهُودِيَّ لِيَأْخُذَ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ بِاَلَّذِي لَهُ فَأَبَى، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّخْلَ فَمَشَى فِيهَا ثُمَّ قَالَ لِجَابِرٍ: " جُدَّ لَهُ فَأَوْفِ لَهُ الَّذِي لَهُ "، فَجَدَّهُ بَعْدَمَا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَوْفَاهُ ثَلَاثِينَ وَسْقًا وَفَضَلَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقًا رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ)
ــ
[نيل الأوطار]
قَوْلُهُ: (فَجَدَدْتُهَا) بِالْجِيمِ وَدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، وَالْجِدَادُ: صِرَامُ النَّخْلِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُصَالَحَةِ بِالْمَجْهُولِ عَنْ الْمَعْلُومِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ الْغَرِيمَ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَرَ الْحَائِطِ وَهُوَ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فِي الْأَوْسَاقِ الَّتِي لَهُ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ» ، وَلَكِنَّهُ ادَّعَى فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فَقَالَ مَا لَفْظُهُ: مَسْأَلَةٌ: وَيَصِحُّ بِمَعْلُومٍ عَنْ مَعْلُومٍ إجْمَاعًا، وَلَا يَصِحُّ بِمَجْهُولٍ إجْمَاعًا وَلَوْ عَنْ مَعْلُومٍ، كَأَنْ يُصَالِحَ بِشَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ، أَوْ عَنْ أَلْفٍ بِمَا يَكْسِبُهُ هَذَا الْعَامَ اهـ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي صِحَّةِ هَذَا الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ مُصَرِّحٌ بِالْجَوَازِ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ لَهُ دَيْنُ تَمْرٍ تَمْرًا مُجَازَفَةً بِدَيْنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهْلِ وَالْغَرَرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مُجَازَفَةً فِي حَقِّهِ أَقَلَّ مِنْ دَيْنِهِ إذَا عَلِمَ الْآخِذُ ذَلِكَ وَرَضِيَ اهـ وَهَكَذَا قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ وَتَعَقَّبَهُمَا ابْنُ الْمُنِيرِ فَقَالَ: بَيْعُ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مُزَابَنَةٌ، فَإِنْ كَانَ تَمْرًا نَحْوَهُ فَمُزَابَنَةٌ وَرِبًا، لَكِنْ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي الْوَفَاءِ وَتَبِعَهُ الْحَافِظُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ ابْتِدَاءً، لِأَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا، وَيَجُوزُ فِي الْمُعَاوَضَةِ عِنْدَ الْوَفَاءِ، قَالَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ الْبَابِ اهـ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخَصِّصٌ لِلْعُمُومَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْبِيَعِ الْقَاضِيَةِ بِوُجُوبِ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ جِنْسًا وَتَقْدِيرًا فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ مَعَ الْجَهَالَةِ إذَا وَقَعَ الرِّضَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ السَّالِفُ، فَإِنَّهَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمُصَالَحَةُ بِمَعْلُومٍ عَنْ مَجْهُولٍ وَالْمَوَارِيثُ الدَّارِسَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْأَجْنَاسِ الرِّبَوِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَهُوَ يَقْضِي بِعُمُومِهِ أَنَّهَا تَجُوزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute