فلما أجمع صلى الله عليه وسلم المسير إلى قريش وعلم بذلك الناس، كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش، يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرهم، وكان كتابه موجهًا إلى ثلاثة نفر: صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وفيه يقول: إن رسول الله قد أذن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد بكتابي إليكم.
وأعطى الكتاب إلى امرأة من مزينة من أهل العرج تسمى "سارة" وجعل لها عشرة دنانير على أن تبلغه قريشًا، وقال لها: أخفيه ما استطعت، ولا تمري على الطريق المألوف بين مكة والمدينة فإن عليه حرسًا، فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها، وسلكت طريقًا غير مألوف حتى لقيت الطريق بالعقيق، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث صلى الله عليه وسلم عليًا، والزبير رضي الله عنهما وقال لهما: أدركا امرأة من مزينة، قد كتب معها حاطب كتابًا يحذر قريشًا، فخرجا، فأدركاها، فاستنزلاها، والتمساه في رحلها فلم يجدا شيئًا فقالا لها: إنا نحلف بالله ما كذب رسول الله ولا كذبنا، ولتخرجن هذا الكتاب، أو لنكشفنك، فلما رأت منهما الجد قالت: أعرضا عني، فأعرضا عنها، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب.
فلما جاءا بالرسالة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا حاطبًا فقال:"ما حملك على هذا"؟.
فقال: يا رسول الله، والله إني لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت ولا بدلت، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم أهل وولد، فصانعتهم.
فقال عمر رضي الله عنه: قاتلك الله، ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بأطراف المدينة، ويراقب كل داخل إليها، وتكتب إلى قريش تحذرهم، دعني يا رسول الله أضرب عنقه فإنه قد نافق.
فقال صلى الله عليه وسلم:"وما يدريك يا عمر؟ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم" ١. وأنزل الله تعالى في شأن حاطب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
١ صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الفتح ج٧ ص٣، ٤.