قال الشيخ أبو على إسماعيل بن القاسم القالى البغدادى رحمه الله: الحمد لله الذى جل عن شبه الخليقة، وتعالى عن الأفعال القبيحة؛ وتنزه عن الجور، وتكبر عن الظلم؛ وعدل فى أحكامه، وأحسن إلى عباده؛ وتفرد بالبقاء، وتوحد بالكبرياء، ودبر بلا وزير، وقهر بلا معين؛ الأول بلا غاية، والآخر بلا نهاية؛ الذى عزب عن الأفهام تحديده، وتعذر على الأوهام تكييفه؛ وعميت عن إدراكه الأبصار، وتحيرت فى عظمته الأفكار؛ الشاهد لكل نجوى، السامع لكل شكوى، والكاشف لكل بلوى؛ الذى لا يحويه مكان، ولا يشتمل عليه زمان، ولا ينتقل من حال إلى حال؛ القادر الذى لا يدركه العجز، والعالم الذى لا يلحقه الجهل؛ والجواد الذى لا ينزح، والعزيز الذى لا يخضع؛ والجبار الذى قامت السموات بأمره، ورجفت الجبال من خشيته.
ثم أما بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاة على خير البشر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنى لما رأيت العلم أنفس بضاعة، أيقنت أن طلبه أفضل تجارة؛ فاغتربت للرواية، ولزمت العلماء للدراية. ثم أعلمت نفسى في جمعه، وشغلت ذهنى بحفظه؛ حى حويت خطيره، وأحرزت رفيعه، ورويت جليله، وعرفت دقيقه؛ وعقلت شارده، ورويت نادره، وعلمت غامضه، ووعيت واضحه، ثم صنته بالكتمان عمن لا يعرف مقداره، ونزهته عن الإذاعة عند من يجهل مكانه؛ وجعلت غرضى أن أودعه من يستحقه، وأبديه لمن يعلم فضله، وأجلبه إلى من يعرف محله؛ وأنشره عند من يشرفه، وأقصد به من يعظمه؛ إذ بائع الجوهر وهو حجر يصونه بأجود صوان، ويودعه أفضل مكان؛ ويقصد به من يجزل ثمنه، ويحمله