وقوله تعالى:«أنْ تَكُونَ» أي: بسبب أن تكون، أو مخافة أن تكون، و «تكون» يجوز أن تكون تامة؛ فتكون «أمَّةٌ» فاعلها، وأن تَكُونَ ناقصة، فتكون «أمَّةٌ» اسمها وهي مبتدأ، و «أرْبَى» خبره، والجملة في محلِّ نصب على الحال على الوجه الأول، وفي موضع الجر على الوجه الثاني، وجوَّز الكوفيون أن تكون «أمَّةٌ» اسمها، و «هِيَ» عماد، أي: ضمير فصل، و «أرْبَى» خبر «تَكونُ» ، والبصريُّون لا يجيزون ذلك؛ لأجل تنكير الاسم، فلو كان الاسم معرفة، لجاز ذلك عندهم.
فصل
قال مجاهد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كانوا يحالفون الحلفاء، فإذا وجدوا قوماً أكثر منهم وأعزَّ، نقضوا حلف هؤلاء، وحالفوا الأكثر، فالمعنى: طلبتم العز بنقص العهدِ؛ بأن كانت أمة أكثر من أمةٍ، فنهاهم الله - تعالى - عن ذلك.
ومعنى «أرْبَى من أمَّةٍ» ؛ أي: أزيدُ في العدد، والقوَّة، والشَّرف.
ثم قال - جل ذكره -: {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ} ، أي يختبركم الله بأمره إيَّاكم بالوفاءِ بالعهد.
والضمير في «به» يجوز أن يعود على المصدر المنسبك من «أنْ تَكُونَ» ، تقديره: إنَّما يَبلُوكمُ الله بكون أمَّة، أي: يختبركم بذلك.
وقيل: يعود على الرِّبا المدلول عليه بقوله: «هي أرْبَى» .
وقيل: على الكثرة؛ لأنَّها في معنى الكثير.
قال ابن الأنباري رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: ملا كان تأنيثها غير حقيقي، حملت على معنى التَّذكير؛ كما حملت الصَّيحة على الصِّياح ولم يتقدم للكثرة للفظ، وإنما هي مدلول عليها بالمعنى من قوله تعالى:{هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} .
ثم قال:{وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القيامة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} في الدُّنيا، فيميِّز المحقَّ من المبطل.
قوله - تعالى -: {وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} الآية لما أمر القوم بالوفاء بالعهد وتحريم نقضه، أتبعه ببيان أنه - تعالى - قادرٌ على أن يجمعهم على هذا الوفاء، وعلى سائر أبواب الإيمان، ولكنَّه - سبحانه وتعالى جل ذكره - بحكم الألوهية يضلُّ من يشاء ويهدي من يشاء.
والمعتزلة حملوا ذلك على الإلجاء، أي: لو أراد أن يلجئهم إلى الإيمان أو إلى