لذا وجب على المسلم أن يحرص على الفهم الصحيح في أمر دينه أكثر من حرصه على طعامه وشرابه، وأن يحذر كل الحذر من أن تتسلل إليه طلائع سوء الفهم فتصيبه في مقتل، فيصير الحق أو بعض مفرداته في ذهنه باطلًا، أو يصبح الباطل أو بعض مظاهره لديه حقًا وصوابًا.
ومما يساعد على الفهم الصحيح العدل والإنصاف، الذي يجعل صاحبه يضع الأمور في مواضعها، والأوصاف على موصوفيها، والأسماء على مسمياتها حقًّا؛ لا كما سمع أو قرأ، ولا انتصارًا لنفسه أو لحزبه أو جماعته أو من ينتمي إليهم.
فصحة الفهم والتروي في الحكم على الأمور تورث صاحبها سلامة المعتقد والفكر، فيبني عقيدته وأفكاره على ما وافق الوحي، دون أن يتشرب عقله وقلبه الانحرافات والتأويلات والتشكيكات والتمويهات التي يبثها ذوو الفهم العقيم.
ومن أعظم الفهم: فهم فقه الواقع وهو الفهم للحياة والأحياء، وفهم ما ينفع الإنسان وما يضره في عاجل أمره وآجله، وتمييز الخير من الشر، والصديق من العدو، والحق من الباطل. فيكون عند الإنسان بعد ذلك تصور صحيح العاقبة لا يهدده شك ولا تراجع، ولا حيرة ولا اضطراب، وحتى يصبح فهمه كنور الصباح الذي يشرق على الحياة فيُري الناظرين الأشياء التي أخفاها عنهم ظلام الليل الدامس. وإن خفي الحق ولم يترجح الصواب من الخطأ فالصمت أولى.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في معنى:{فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}[الزمر: ١٨] قال: «هو الرجل يسمع الحسن والقبيح فيتحدث بالحسن، وينكف عن القبيح، فلا يتحدث به»(١).