المسائل. والإمام عبد الله بن المبارك -رحمه الله- الذي له كتب:"الزهد"، و"الجهاد"، و"الرقائق" وغيرها، مما يمثل في هذه الفترة من القرن الثاني الهجري اتجاهًا عريضًا لتصنيف كتب كاملة في موضوع واحد، وهذا كله يمثل الجمع الموضوعي.
كما ظهرت في هذه الفترة كتب سميت بـ"المصنفات"، وهي مثل "الموطآت"، وإن اختلفت التسمية، حيث اختلط فيهما أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- مع غيره من آثار الصحابة وأخبار التابعين، ومن أشهر هذه المصنفات:"مصنف عبد الرازق"، و"مصنف ابن أبي شيبة"، وكلا الإمامين عبد الرزاق الصنعاني، وأبو بكر بن أبي شيبة من علماء نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجري رحمهم الله جميعًا.
(٣) وجاء القرن الثالث الذي يمثل العصر الذهبي لتدوين السّنة النبوية، لتظهر أهم مصادر السّنّة الأصلية، حيث ظهر صحيحا الإمامين البخاري ومسلم، حيث اقتصر جمعها على الحديث الصحيح دون غيره على طريقة الأبواب الفقهية، إلا أنهما استوعبا جميع مواضيع الدين، فسميا بالجوامع، إلا أن الإمام البخاري له كتب خصص فيها موضوعًا معينًا دون غيره؛ وهي:"الأدب المفرد"، وجزء:"رفع اليدين في الصلاة"، و"القراءة خلف الإمام"، و"خلق أفعال العباد"، مما يشكل نقلة نوعية في الجمع الموضوعي المتخصص إلى جانب الجمع الموضوعي العام.
ومن الجدير ذكره أن تراجم الأبواب في صحيح البخاري وما فيها من استنباطات دقيقة تدل على سعة فقه الإمام ودقة ملاحظته، حتى إن بعض الأحاديث المذكورة تحت التراجم تكون من الخفاء بحيث لا يظهر علاقتها بالترجمة إلا بعد تفكير عميق، وهذا يمثل جانبًا مهمًّا من جوانب الدراسات الموضوعية الحالية، مما يبرز سبق أئمة أهل الحديث في وضع أصول هذا العلم.