للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما ما ورد في هجر المبتدعة فهو أمر مشتهر عن السلف أنهم هجروا المبتدعة وأمروا بهجرهم ونهوا عن مجالستهم والسلام عليهم وحضور جنازتهم.

أما الفساق فإن الأدلة السابقة صريحة في هجرهم ويخصص بها عموم النصوص الواردة في تحريم هجر المسلم لأخيه المسلم فوق ثلاثة أيام، فإن هذا الهجر المحرم هو فيما إذا كان الهجر لحظ النفس وهواها، أما إذا كان الهجر لله فإنه يجوز حتى يتوب المهجور ولو طال ذلك كما كان الأمر بالنسبة لكعب بن مالك رضي الله عنه وصاحبيه، فقد هجرهم المسلمون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم خمسين ليلة، وهجر النبي صلى الله عليه وسلم زوجه زينب رضي الله عنها ثلاثة أشهر تقريباً ومدة الهجر مرتبطة بأن يظهر العاصي توبة صحيحة لما ورد عن الإمام أحمد أنه قال في عاص: يهجر حتى يظهر توبة صحيحة ١.

ومما ينبغي التنبه له أن العاصي الذي يهجر هو من أظهر فسقه وجاهر بارتكابه للمحرم، أما المستتر بمعصيته فلا يهجر، وإنما ينصح سراً إذا اطلع إنسان على حاله لعله يتوب، ولا يجوز فضحه.

قال الخلال: أبو عبد الله هجر أهل المعاصي ومن قارف الأعمال الردية وكاشف بها، أما من سكر أو شرب أو فعل فعلاً من هذه الأشياء المحظورة ولم يكاشف بها فالكف عن أعراضهم ٢.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:“من فعل شيئاً من المنكرات كالفواحش والخمر والعدوان وغير ذلك فإنه يجب الإنكار عليه بحسب القدرة، فإن كان الرجل مستتراً بذلك وليس معلناً له أنكر عليه سراً وستر عليه، إلا أن يتعدى ضرره، والمتعدي لا بد من كف عدوانه، وإذا نهاه المرء سراً فلم ينته فعل ما


١ انظر: المسائل العقدية من كتاب الروايتين والوجهين (ص:١٢٢) .
٢ نقلها عنه القاضي أبو يعلى في كتاب الروايتين والوجهين، انظر المسائل العقدية منه (ص:١٢٤) .

<<  <   >  >>