للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وتنصع طيبها ". متفق عليه.

ــ

لأهل الخبث وقصة الأعرابي المذكور ظاهرة فيه، وخصه ابن عبد البر بزمنه - صلى الله عليه وسلم -، والظاهر كما قال النووي عدم التخصيص وقد طهرها الله تعالى ممن كان بها من أرباب الأديان المخالفين لدين الإسلام وأهلك من كان بها من المنافقين وهؤلاء هم أهل الخبث الكامل ومن عداهم من أهل الخبث والذنوب قد يكون طرده وإبعاده إن استمر على ذلك بآخرة الأمر بنقل الملائكة له إلى غيرها من الأرض، ويحتمل أن يكون بمعنى طرد أهل الخبث الكامل وهم أهل الشقاء والكفر لا أهل السعادة والإسلام لأن القسم الأول ليس قابلاً للشفاعة ولا للمغفرة، وقد وعد - صلى الله عليه وسلم - من يموت بها بالشفاعة لهذا وجب انتفاء القسم الأول منها، ويحتمل أن يكون بمعنى تخليص النفوس من شرها وميلها إلى اللذات لما فيها من اللأواء والشدة ويؤيده رواية أنها طيبة تنفي الذنوب ويكون نفيها للذنوب على ظاهره، ويحتمل أن يكون بمعنى أنها لا يخفى حال من انطوى فيها على خبث بل تظهر طويته كما هو مشاهد بها، ويؤيده ما في غزوة أحد في الصحيح من أنه - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى أحد رجع ناس من أصحابه أي وهم المنافقون؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " المدينة كالكير ... " – الحديث. ولهذا سميت بالفاضحة، قال السمهودي: والذي ظهر لي من مجموع الأحاديث واستقراء أحوال هذه البلدة الشريفة أنها تنفي خبثها بالمعاني الأربعة (وتنصع) بضم التاء على بناء الفاعل من باب التفعيل والإفعال أي تخلص (طيبها) بالنصب على المفعولية وهو بفتح الطاء وتشديد التحتية، وروي ينصع بفتح التحتية وسكون النون وفتح الصاد المهملة من النصوع وهو الخلوص أي يصفو ويخلص ويتميز، والناصع الصافي الخالص، وعلى هذا طيبها مرفوع على أنه فاعل ينصع، ومعنى الحديث أنه يخرج من المدينة من لم يخلص إيمانه، ويبقى فيها من خلص إيمانه، وقال الحافظ: والمعنى أنها إذا نفت الخبث تميز الطيب واستقر فيها. قال الأبي: فإن قيل قد استقر بها المنافقون، أجيب بأنهم انتفوا بالموت، والموت أشد النفي، وقال العيني: فإن قلت: إن المنافقين قد سكنوا المدينة وماتوا فيها ولم تنفهم، قلت: كانت المدينة دارهم أصلاً ولم يسكنوا بها بالإسلام ولا حبًا له، وإنما سكنوها لما فيها من أصل معاشهم، ولم يرد - صلى الله عليه وسلم - بضرب المثل إلا من عقد الإسلام راغبًا فيه ثم خبث قلبه – انتهى. قال ابن المنير: ظاهر الحديث ذم من خرج من المدينة، وهو مشكل فقد خرج منها جمع كثير من الصحابة وسكنوا غيرها من البلاد، وكذا من بعدهم من الفضلاء، والجواب أن المذموم من خرج عنها كراهة فيها ورغبة عنها كما فعل الأعرابي المذكور، وأما المشار إليهم فإنما خرجوا لمقاصد صحيحة كنشر العلم وفتح بلاد الشرك والمرابطة في الثغور وجهاد الأعداء وهم مع ذلك على اعتقاد فضل المدينة وفضل سكانها (متفق عليه) أخرجه البخاري في الحج وفي الأحكام، ومسلم في الحج، وأخرجه أيضًا أحمد (ج ٣: ص ٣٠٦، ٣٠٧، ٣٦٥) ومالك في الجامع والنسائي والترمذي في أواخر المناقب.

<<  <  ج: ص:  >  >>