كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم.
ــ
بعد ما حلق قبل أن يزور البيت. فأخذنا بقولها، وعليه أبو حنيفة والعامة من فقهائنا - انتهى. والعبارات المذكورة بين القوسين كلها لشيخنا في شرح كلام الترمذي، وكلام شيخنا في شرح هذا المقام وكذا كلام الترمذي كلاهما. واضح بين حق وصواب ليس فيه أدنى خفاء وغموض لكن مع وضوحه لم يفهمه البنوري بل أخطا خطأ فاحشًا فاعترض على شيخنا، وليس ذلك إلا لسوء فهمه وسقمه:
وكم من عائب قولاً صحيحًا وآفته من الفهم السقيم أو لعدائه الكامن في قلبه مع أصحاب الحديث عامة ومع شيخنا خاصة، حيث اعترض عليه ولم يدر ما يخرج من فيه وما يسود به القرطاس قال البنوري في ((معارف السنن)) (ج٦: ص٥٢٦) : وما ذكره الترمذي من عدم الجواز قول أهل الكوفة فليس هو مذهبه أهل الكوفة من الإمام أبى حنيفة وأصحابه، بل هو مذهب محمد بن الحسن الشيباني من أصحابه كما صرح به الموطأ بعد رواية أثر عمر الفاروق: فقال وبهذا نأخذ ... قال: وأما أبو حنيفة فإنه كان لا يرى به بأسًا - انتهى. هكذا عبارة الإمام محمد في موطأه، وما ذكره الشيخ المباركفوري في تحفته معزوًا إلى الموطأ فقد غلط وأخطأ في نقل عبارته، ولا أدري ماذا حدث له. والله أعلم - انتهى كلام البنوري. قلت: لم يخطأ شيخنا في نقل العبارة عن الموطأ كما لا يخفى على من طالع موطأه (ص٢٢٧) باب ما يحرم على الحاج بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر فكل ما كتبه شيخنا في شرح الترمذي في هذا الباب هو حق وصواب. نعم كلام البنوري يدل على أنه لم يفهم كلام الترمذي أصلاً حيث نقل كلام الإمام محمد عن موطأه من باب من تطيب قبل أن يحرم (ص١٩٧، ١٩٨) مع أنه لا علاقة له بما ذكره الترمذي في الباب المذكور من أثر عمر، واختلاف أهل العلم في مسألة التطيب بعد الرمي والحلق قبل طواف الزيارة (كأني أنظر) أرادت بذلك قوة تحققها لذلك بحيث أنها لشدة استحضارها له كأنها ناظرة إليه (إلى وبيص الطيب) أي بريقه ولمعانه، وفي رواية لمسلم:((وبيص المسك)) والوبيص بفتح الواو وكسر الموحدة بعدها ياء تحتانية ثم صاد مهملة البريق، من وبص الشيء يبص وبيصًا أي برق. وقال الإسماعيلي: الوبيص زيادة على البريق وأن المراد به التلألؤ وأنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط (في مفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بفتح الميم جمع مفرق بفتح الميم وكسر الراء ويجوز فتحها وهو المكان الذي يفرق فيه الشعر في وسط الرأس، قيل: ذكرته بصيغة الجمع نظرًا إلى أن كل جزء منه كان مفرقًا. قال القاري: المفرق وسط الرأس الذي يفرق فيه شعر الرأس وإنما ذكر على لفظ الجمع تعميمًا لسائر جوانب الرأس التي يفرق فيها كأنهم سموا كل موضع منه مفرقًا وفي رواية للشيخين: ((مفرق)) على لفظ الواحد وهكذا ذكره البغوي في مصابيح السنة. وفي رواية البخاري في اللباس ((كنت أطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأطيب ما يجد حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته)) (وهو محرم) زاد النسائي، وابن حبان، وابن ماجة:((بعد ثلاث)) وفيه دليل